نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( ولا يجوز السلم في الحيوان ) وقال الشافعي رحمه الله : يجوز لأنه يصير معلوما ببيان الجنس والسن والنوع والصفة ، والتفاوت بعد ذلك يسير فأشبه الثياب . ولنا : أنه بعد ذكر ما ذكر يبقى فيه تفاوت فاحش في المالية باعتبار المعاني الباطنة فيفضي إلى المنازعة ، بخلاف الثياب لأنه مصنوع العباد فقلما يتفاوت الثوبان إذا نسجا على منوال واحد ، وقد صح " { أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن السلم في الحيوان }" ويدخل فيه جميع أجناسه حتى العصافير .

قال : ( ولا في أطرافه كالرءوس والأكارع ) للتفاوت فيها إذ هو عددي متفاوت لا مقدر لها . [ ص: 531 ] قال : ( ولا في الجلود عددا ولا في الحطب حزما ولا في الرطبة جرزا ) للتفاوت فيها إلا إذا عرف ذلك بأن بين له طول ما يشد به الحزمة أنه شبر أو ذراع فحينئذ يجوز إذا كان على وجه لا يتفاوت .


الحديث الثالث : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلم في الحيوان }; قلت : أخرجه الحاكم في " المستدرك " ، والدارقطني في " سننه " عن إسحاق بن إبراهيم بن جوتى ثنا عبد الملك الزماري ثنا سفيان الثوري عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان }انتهى .

قال الحاكم : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى . وقال صاحب " التنقيح " : وإسحاق بن إبراهيم بن جوتى قال فيه ابن حبان : منكر الحديث جدا ، يأتي عن الثقات بالموضوعات ، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ، وقال الحاكم : روى أحاديث موضوعة ، انتهى .

أثر آخر : استدل به محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " ، فقال : أخبرنا أبو حنيفة ثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ، قال : دفع عبد الله بن مسعود إلى زيد بن خويلدة البكري مالا مضاربة ، فأسلم زيد إلى عتريس بن عرقوب الشيباني في قلائص ، فلما حلت أخذ بعضا ، وبقي بعض ، فأعسر عتريس ، وبلغه أن المال لعبد الله ، فأتاه يسترفقه ، فقال عبد الله : أفعل زيد ؟ قال : نعم ، فأرسل إليه ، فسأله ، فقال عبد الله : [ ص: 531 ] اردد ما أخذت ، وخذ رأس مالك ، ولا تسلمن مالنا في شيء من الحيوان انتهى .

قال في " التنقيح " : فيه انقطاع انتهى . أحاديث الخصوم : واستدل صاحب " التنقيح " لمذهبه في صحة السلم في الحيوان بحديث أخرجه أبو داود في " سننه " عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن { عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا ، فنفدت الإبل ، فأمره أن يأخذ من قلائص الصدقة ، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة }انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه انتهى .

قال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث ضعيف ، مضطرب الإسناد ، فرواه حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن ابن عمرو ، هكذا أورده أبو داود ، ورواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق ، فأسقط يزيد بن أبي حبيب ، وقدم أبا سفيان على مسلم بن جبير فقال فيه : عن ابن إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم بن جبير عن عمرو بن حريش ، ذكر هذه الرواية الدارقطني ، ورواه عفان عن حماد بن سلمة ، فقال فيه : عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن أبي سفيان عن عمرو بن حريش ، ورواه عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن أبي سفيان عن [ ص: 532 ] مسلم بن كثير عن عمرو بن الحريش ، فذكره ، ورواه عن عبد الأعلى بن أبي شيبة ، فأسقط يزيد بن أبي حبيب ، وقدم أبا سفيان ، كما فعل جرير بن حازم ، إلا أنه قال في مسلم بن جبير : مسلم بن كثير ، ومع هذا الاضطراب فعمرو بن حريش مجهول الحال ، ومسلم بن جبير لم أجد له ذكرا ، ولا أعلمه في غير هذا الإسناد ، وكذلك مسلم مجهول الحال أيضا إذا كان عن أبي سفيان ، وأبو سفيان فيه نظر انتهى كلامه . وقد يعترض على هذا الحديث بحديث { النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة } ، رواه ابن عباس ; وسمرة بن جندب ; وجابر بن عبد الله ; وجابر بن سمرة ; وابن عمر . فحديث : ابن عباس أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في القسم الثاني منه ، عن سفيان عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة } ، انتهى .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا معمر به ، وكذلك رواه الدارقطني في " سننه " ، والبزار في " مسنده " قال البزار : ليس في الباب أجل إسنادا من هذا انتهى .

قال البيهقي في " المعرفة " : الصحيح في هذا الحديث عن عكرمة مرسل ، هكذا رواه غير واحد عن معمر ، وكذلك رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير ، انتهى .

قلت : أخرجه الطبراني في " معجمه " عن داود بن عبد الرحمن العطار عن معمر به مسندا . وأما حديث سمرة : فأخرجه أصحاب السنن الأربعة عن الحسن عن سمرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة غير ثابت ، قال البيهقي : وأكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة انتهى .

[ ص: 533 ] وأما حديث جابر بن عبد الله : فأخرجه الترمذي عن الحجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { الحيوان اثنين بواحد ، لا يصلح نساء ، ولا بأس به يدا بيد }" انتهى . وقال : حديث حسن . وأما

حديث جابر بن سمرة : فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن زهير التستري ثنا إبراهيم بن راشد الأدمي ثنا داود بن مهران ثنا محمد بن الفضل بن عطية عن سماك عن جابر بن سمرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة }انتهى .

وأما حديث ابن عمر : فأخرجه الطبراني أيضا عن محمد بن دينار الطاحي ثنا يونس بن عبيد عن زياد بن جبير عن ابن عمر ، نحوه سواء ، قال البيهقي في " المعرفة " : ومحمد بن دينار هذا ضعفه ابن معين ، وقال الترمذي : سألت البخاري عن هذا الحديث ، فقال : إنما يروى عن زياد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا انتهى .

قلت : رواه أحمد في " مسنده " حدثنا حسين بن محمد ثنا خلف بن خليفة عن أبي حسان عن أبيه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا تبيعوا الدينار بالدينارين ، ولا الدرهم بالدرهمين ، فقال رجل : يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس ، والبختية بالإبل ، قال : لا بأس إذا كان يدا بيد }" انتهى .

وذكر ابن الجوزي من هذه الأحاديث الثلاثة الأول ، ثم قال : وهذه الأحاديث محمولة على أن يكون النساء فيها من الطرفين ، فيبيع شيئا في ذمته ، بشيء في ذمة الآخر انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية