نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل ( قال أبو حنيفة رحمه الله : شاهد الزور أشهره في السوق ولا أعزره . وقالا : نوجعه ضربا ونحبسه ) وهو قول الشافعي رحمه الله ، لهما ما روي عن [ ص: 104 ] عمر رضي الله عنه أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه ، ولأن هذه كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد ، وليس فيها حد مقدر فيعزر ، وله أن شريحا كان يشهره ولا يضرب ، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به والضرب وإن كان مبالغة في الزجر ، ولكنه يقع مانعا عن الرجوع فوجب التخفيف نظرا إلى الوجه ; وحديث عمر رضي الله عنهم حمول على السياسة بدلالة التبليغ إلى الأربعين والتسخيم ، ثم تفسير التشهير منقول عن شريح رحمه الله فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا . ويقول : إن شريحا يقرأ عليكم السلام ويقول : إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروا الناس منه وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أنه يشهر عندهما أيضا ، والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي عندهما وكيفية التعزير ما ذكرناه في الحدود .

( وفي الجامع الصغير . شاهدان أقرا أنهما شهدا بزور لم يضربا ، وقالا : يعزران ) وفائدته : أن شاهد الزور في حق ما ذكرناه من الحكم هو المقر على نفسه بذلك فأما لا طريق إلى إثبات ذلك بالبينة ; لأنه نفي للشهادة والبينات للإثبات ، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .


فصل في شاهد الزور

قوله : روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا ، وسخم وجهه ، قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في الحدود " حدثنا أبو خالد عن حجاج عن مكحول عن الوليد بن أبي مالك أن عمر كتب إلى عماله بالشام في شاهد الزور : يضرب أربعين سوطا ، ويسخم وجهه ، ويحلق رأسه ، ويطال حبسه انتهى .

وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج ، قال : حدثت عن مكحول أن عمر بن الخطاب ضرب شاهد الزور أربعين سوطا ، انتهى . أخبرنا يحيى بن العلاء أخبرني الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر بن الخطاب أمر بشاهد الزور أن يسخم وجهه ، وتلقى عمامته في عنقه ، ويطاف به في القبائل انتهى .

[ ص: 104 ] قوله : عن شريح رحمه الله أنه كان يشهر شاهد الزور ولا يضربه ، قال : والذي نقل عنه في ذلك أنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا ، أو إلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر ، أجمع ما كانوا ، ويقول : إن شريحا يقرئكم السلام ، ويقول : إنا وجدنا هذا شاهد زور ، فاحذروه وحذروا الناس منه قلت : رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم بن أبي الهيثم عمن حدثه عن شريح أنه كان إذا أخذ شاهد زور ، فإن كان من أهل السوق ، قال للرسول : قل لهم : إن شريحا يقرئكم السلام ، ويقول لكم : إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه ، وإن كان من العرب أرسل به إلى مسجد قومه ، أجمع ما كانوا ، فقال للرسول مثل ما قال في المرة الأولى ، انتهى .

ويقرب منه ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي حصين ، قال : كان شريح يبعث بشاهد الزور إلى مسجد قومه ، أو إلى سوقه ، ويقول : إنا قد زيفنا شهادة هذا انتهى .

وفي لفظ كان يكتب اسمه عنده ، فإن كان من العرب بعث به إلى [ ص: 105 ] مسجد قومه ، وإن كان من الموالي بعث به إلى سوقه ، يعلمهم ذلك منه ، انتهى .

وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن الجعد بن ذكوان ، قال : أتي شريح بشاهد زور ، فنزع عمامته عن رأسه ، وخفقه بالدرة خفقات ، وبعث به إلى المسجد يعرفه الناس ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية