نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 145 - 150 ] قال : ( وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضى عليه بالنكول وألزمه ما ادعي عليه ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يقضي به بل يرد اليمين على المدعي ، فإذا حلف يقضي به لأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة واشتباه الحال فلا ينتصب حجة مع الاحتمال ويمين المدعي دليل الظهور [ ص: 151 ] فيصار إليه . ولنا أن : النكول دل على كونه بازلا أو مقرا إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه فترجح هذا الجانب ، ولا وجه لرد اليمين على المدعي لما قدمناه .

قال : ( وينبغي للقاضي أن يقول له : إني أعرض عليك اليمين ثلاثا فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه ) وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم إذ هو موضع الخفاء .

قال : ( فإذا كرر العرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول ) وهذا التكرار ذكره الخصاف لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبلاء العذر ، وأما المذهب أنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز ; لما قدمناه هو الصحيح والأول أولى ثم النكول قد يكون حقيقيا كقوله : لا أحلف وقد يكون حكميا بأن يسكت [ ص: 152 ] وحكمه حكم الأول إذا علم أنه لا آفة به من طرش أو خرس هو الصحيح .


قوله : لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على القضاء بالنكول قلت : يوجد هذا في بعض نسخ " الهداية " ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه في الأقضية " حدثنا [ ص: 151 ] عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سالم أن ابن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم ، فوجد به المشتري عيبا ، فخاصمه إلى عثمان ، فقال له عثمان : بعته بالبراءة ؟ فأبى أن يحلف ، فرده عثمان عليه انتهى .

حدثنا حفص عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه أمره أن يستحلف امرأة فأبت أن تحلف ، فألزمها ، حدثنا شريك عن مغيرة عن الحارث ، قال : نكل رجل عند شريح عن اليمين ، فقضى شريح عليه ، فقال الرجل : أنا أحلف ، فقال شريح : قد مضى قضائي انتهى .

حدثنا جرير عن مغيرة ، وابن شبرمة ، قالا : اشترى عبد الله غلاما لامرئ ، فلما ذهب إلى منزله حم الغلام ، فخاصمه إلى الشعبي ، فقال لعبد الله : بينتك أنه دلس عليك عيبا ؟ فقال : ليس لي بينة ، فقال للرجل : احلف أنك لم تبعه ، فأبى ، فقال الرجل : اردد اليمين على عبد الله ، فقضى الشعبي باليمين عليه فقال : إما أن تحلف ، وإلا جاز عليك الغلام ، انتهى .

وأخرج الطحاوي في " مشكل الآثار " عن عبد الله بن عون من أهل فلسطين ، قال : أمرت امرأة وليدة لها أن تضطجع عند زوجها ، فحسب أنها جارية ، فوقع عليها ، وهو لا يشعر ، فقال عثمان : أحلفوه أنه ما شعر ، فإن أبى أن يحلف فارجموه ، وإن حلف فاجلدوه مائة جلدة ، واجلدوا امرأته مائة جلدة ، واجلدوا الوليدة الحد ، قال الطحاوي : لا نعلم له مخالفا من الصحابة ، ولا منكرا عليه يعني في الحكم بالنكول وأنه كالإقرار .

التالي السابق


الخدمات العلمية