نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( ومن له على آخر ألف درهم فقال : أد إلي غدا منها خمسمائة على أنك بريء من الفضل ففعل فهو بريء ، فإن لم يدفع إليه الخمسمائة غدا عاد عليه الألف وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف رحمه الله : لا يعود عليه ) ; لأنه إبراء مطلق ، ألا ترى أنه جعل أداء الخمسمائة عوضا حيث ذكره بكلمة على وهي للمعاوضة ، والأداء لا يصلح عوضا لكونه مستحقا عليه ، فجرى وجوده مجرى عدمه فبقي الإبراء مطلقا ، فلا يعود كما إذا بدأ بالإبراء . ولهما أن هذا إبراء مقيد بالشرط فيفوت بفواته ; لأنه بدأ بأداء الخمسمائة في الغد وأنه يصلح غرضا حذار إفلاسه وتوسلا إلى تجارة أربح منه وكلمة " على " إن كانت للمعاوضة فهي محتملة للشرط لوجود معنى المقابلة فيه ، فيحمل عليه عند تعذر الحمل على المعاوضة تصحيحا لتصرفه ، أو ; لأنه متعارف والإبراء مما يتقيد بالشرط ، وإن كان لا يتعلق به كما في الحوالة ، وسنخرج البداءة بالإبراء إن شاء الله تعالى . قال رضي الله عنه : وهذه المسألة على وجوه :

أحدها ما ذكرناه .

والثاني : إذا قال صالحتك من الألف على خمسمائة تدفعها إلي غدا ، وأنت بريء من الفضل على أنك إن لم تدفعها إلي غدا فالألف عليك على حاله . وجوابه : أن الأمر على ما قال ; لأنه أتى بصريح التقييد فيعمل به .

والثالث : إذا قال أبرأتك من خمسمائة من الألف على أن تعطيني [ ص: 214 ] الخمسمائة غدا فالإبراء فيه واقع أعطى الخمسمائة أو لم يعط ; لأنه أطلق الإبراء أولا وأداء الخمسمائة لا يصلح عوضا مطلقا ولكنه يصلح شرطا فوقع الشك في تقييده بالشرط فلا يتقيد به ، بخلاف ما إذا بدأ بأداء خمسمائة ; لأن الإبراء حصل مقرونا به ، فمن حيث إنه لا يصلح عوضا يقع مطلقا ، ومن حيث إنه يصلح شرطا لا يقع مطلقا ، فلا يثبت الإطلاق بالشك فافترقا .

والرابع : إذا قال أد إلي خمسمائة على أنك بريء من الفضل ولم يؤقت للأداء وقتا .

وجوابه : أنه يصح الإبراء ، ولا يعود الدين ; لأن هذا إبراء مطلق ; لأنه لما لم يؤقت للأداء وقتا لا يكون الأداء غرضا صحيحا ; لأنه واجب عليه في مطلق الأزمان فلم يتقيد بل يحمل على المعاوضة ولا يصلح عوضا ، بخلاف ما تقدم ; لأن الأداء في الغد غرض صحيح .

والخامس : إذا قال إن أديت إلي خمسمائة أو قال : إذا أديت ، أو متى أديت .

فالجواب فيه : أنه لا يصح الإبراء ; لأنه علقه بالشرط صريحا ، وتعليق البراءة بالشروط باطل لما فيها من معنى التمليك حتى يرتد بالرد ، بخلاف ما تقدم ; لأنه ما أتى بصريح الشرط فحمل على التقييد به .

التالي السابق


الخدمات العلمية