نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل في الدين المشترك .

قال : ( وإذا كان الدين بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على ثوب [ ص: 215 ] فشريكه بالخيار إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه وإن شاء أخذ نصف الثوب إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين ) وأصل هذا أن الدين المشترك بين اثنين إذا قبض أحدهما شيئا منه فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض ; لأنه ازداد بالقبض إذ مالية الدين باعتبار عاقبة القبض ، وهذه الزيادة راجعة إلى أصل الحق فتصير كزيادة الولد والثمرة فله حق المشاركة ، ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض ; لأن العين غير الدين حقيقة وقد قبضه بدلا عن حقه ، فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه ويضمن لشريكه حصته ، والدين المشترك يكون واجبا بسبب متحد كثمن المبيع إذا كان صفقة واحدة وثمن المال المشترك والموروث بينهما ، وقيمة المستهلك المشترك . إذا عرفنا هذا فنقول : في مسألة الكتاب له أن يتبع الذي عليه الأصل ; لأن نصيبه باق في ذمته ; لأن القابض قبض نصيبه لكن له حق المشاركة وإن شاء أخذ نصف الثوب ; لأن له حق المشاركة إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين ; لأن حقه في ذلك .

قال : ( ولو استوفى أحدهما نصف نصيبه من الدين كان لشريكه أن يشاركه فيما قبض ) لما قلنا ( ثم يرجعان على الغريم بالباقي ) ; لأنهما لما اشتركا في المقبوض لا بد أن يبقى الباقي على الشركة .

قال : ( ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين سلعة كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين ) ; لأنه صار قابضا حقه بالمقاصة كاملا ; لأن مبنى البيع على المماكسة بخلاف الصلح ; لأن مبناه على الإغماض والحطيطة فلو ألزمناه دفع ربع الدين يتضرر به فيتخير القابض كما ذكرناه ولا سبيل للشريك على الثوب في البيع ; لأنه ملكه بعقده والاستيفاء بالمقاصة بين ثمنه وبين الدين ، وللشريك أن يتبع الغريم في جميع ما ذكرنا ; لأن حقه في ذمته باق ; لأن القابض استوفى نصيبه حقيقة لكن له حق المشاركة فله أن لا يشاركه ، فلو سلم له ما قبض ثم نوى ما على الغريم له أن يشارك القابض ; لأنه رضي بالتسليم ليسلم له ما في ذمة الغريم ولم يسلم ، ولو وقعت المقاصة بدين كان عليه من قبل لم يرجع عليه الشريك [ ص: 216 ] لأنه قابض بنصيبه لا مقتض ولو أبرأه عن نصيبه فكذلك ; لأنه إتلاف وليس بقبض ، ولو أبرأه عن البعض كانت قسمة الباقي على ما يبقى من السهام ، ولو أخر أحدهما عن نصيبه صح عند أبي يوسف رحمه الله اعتبارا بالإبراء المطلق ، ولا يصح عندهما ; لأنه يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض ، ولو غصب أحدهما عينا منه أو اشتراه شراء فاسدا وهلك في يده فهو قبض والاستئجار بنصيبه قبض ، وكذا الإحراق عند محمد رحمه الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله ، والتزوج به إتلاف في ظاهر الرواية ، وكذا الصلح عليه من جناية العمد .

قال : ( وإذا كان المسلم بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف رحمه الله : يجوز الصلح ) اعتبارا بسائر الديون ، وبما إذا اشتريا عبدا فأقال أحدهما في نصيبه . ولهما أنه لو جاز في نصيبه خاصة يكون قسمة الدين في الذمة ولو جاز في نصيبهما لا بد من إجازة الآخر بخلاف شراء العين ، وهذا ; لأن المسلم فيه صار واجبا بالعقد والعقد قام بهما فلا ينفرد أحدهما برفعه ; ولأنه لو جاز لشاركه في المقبوض فإذا شاركه فيه رجع المصالح على من عليه بذلك فيؤدي إلى عود السلم بعد سقوطه قالوا : هذا إذا خلطا رأس المال فإن لم يكونا قد خلطاه فعلى الوجه الأول هو على الخلاف وعلى الوجه الثاني هو على الاتفاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية