نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 220 ] كتاب المضاربة .

المضاربة : مشتقة من الضرب في الأرض سمي بها ; لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله . وهي مشروعة للحاجة إليها ، فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه ، وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه ، فمست الحاجة إلى شرع هذا النوع من التصرف ، لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني ، { وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه }وتعاملت به الصحابة ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده ; لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة وهو وكيل فيه ; لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه ، وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله فإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله ، وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره . قال : ( المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين ) ومراده الشركة في الربح وهو يستحق بالمال من أحد الجانبين ( والعمل من الجانب الآخر ) ولا مضاربة بدونها . ألا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة ، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضا .

قال : ( ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة ) وقد تقدم بيانه من قبل ، ولو دفع إليه عرضا وقال بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز ; لأنه يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة ، وكذا إذا قال له [ ص: 221 ] اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا ; بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا تصح المضاربة ; لأن عند أبي حنيفة رحمه الله لا يصح هذا التوكيل على ما مر في البيوع . وعندهما يصح لكن يقع الملك في المشترى للأمر فيصير مضاربة بالعرض


[ ص: 219 - 220 ] كتاب المضاربة

حديث : { أنه عليه السلام بعث ، والناس يتعاملون بها ، فقررهم عليها }; قلت : قوله : وروي أن الصحابة تعاملوا بها ; قلت : روى مالك في " الموطإ " عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله ، وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب ، خرجا إلى العراق ، فأعطاهما أبو موسى الأشعري من مال الله على أن يبتاعا به متاعا ، ويبيعاه بالمدينة ، ويؤديا رأس المال لأمير المؤمنين والربح لهما ، فلما قدما المدينة ربحا ، فقال عمر : أكل الجيش [ ص: 221 ] أسلفه كما أسلفكما ؟ قالا : لا ، فقال ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما ، أديا المال وربحه ، فراجعه عبيد الله ، وقال : ما ينبغي هذا يا أمير المؤمنين ، لو هلك المال ، أو نقص لضمناه ، فقال له بعض جلسائه : لو جعلته قراضا ، فأخذ عمر المال ونصف ربحه ، وأعطاهما النصف انتهى .

وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، وأخرجه الدارقطني في " سننه في البيوع " عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده ، فذكره . [ ص: 222 ] أثر آخر : أخرجه مالك أيضا عن يعقوب الجهني أنه عمل في مال لعثمان على أن الربح بينهما انتهى .

قال مالك : أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده ، فذكره . أثر آخر : أخرجه الدارقطني عن حيوة ، وابن لهيعة قالا : ثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير [ ص: 223 ] وغيره أن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة ، يضرب له به ، أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ، ولا تحمله في بحر ، ولا تنزل به في بطن مسيل ، فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي انتهى .

أثر آخر : للبيهقي أن ابن عمر كان يزكي مال اليتيم ، ويعطيه مضاربة ، ويستقرض فيه . أثر آخر : وأخرج عن جابر أنه لم ير بالقراض بأسا . أثر آخر : وضعف سنده ، { أن العباس كان إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ، ولا ينزل به واديا ، ولا يشتري به ذات كبد رطبة ، فإن فعل فهو ضامن ، فرفع الشرط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه }انتهى .

أثر آخر : أخرجه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي أنه بلغه عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطي مال يتيم مضاربة ، وكان يعمل به بالعراق ، ولا يدرى كيف قاطعه على الربح . أثر آخر : وأخرجه أيضا عن عبد الله بن علي عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه أن عثمان أعطى مالا مقارضة يعني مضاربة . أثر آخر : أخرج أيضا عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود أعطى زيد بن خلدة مالا مقارضة .

التالي السابق


الخدمات العلمية