نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 263 ] باب الرجوع في الهبة

قال : ( وإذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها ) وقال الشافعي رحمه الله : لا رجوع فيها لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده } ، ولأن الرجوع يضاد التمليك والعقد لا يقتضي ما يضاده بخلاف هبة الوالد لولده على أصله ، لأنه لم يتم التمليك لكونه جزءا له . [ ص: 264 ] ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها }أي ما لم يعوض ; ولأن المقصود بالعقد هو التعويض للعادة ، فتثبت له ولاية الفسخ عند فواته إذ العقد يقبله ، والمراد بما روي نفي استبداد الرجوع وإثباته للوالد ; لأنه يتملكه للحاجة وذلك يسمى رجوعا ، وقوله في الكتاب فله الرجوع لبيان [ ص: 265 ] الحكم [ ص: 266 ] أما الكراهة فلازمة لقوله عليه الصلاة والسلام : { والعائد في هبته كالعائد في قيئه } ، وهذا لاستقباحه .


[ ص: 261 - 263 ] باب الرجوع في الهبة

الحديث الأول : قال عليه السلام : { لا يرجع الواهب في هبته ، إلا الوالد فيما يهب لولده }; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمر ، وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده ، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها ، كمثل الكلب يأكل ، فإذا شبع قاء ، ثم عاد في قيئه }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والثمانين ، من القسم الثاني ، والحاكم في " المستدرك في كتاب البيوع " ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولا أعلم خلافا في عدالة عمرو بن شعيب ، إنما اختلفوا في سماع أبيه من جده انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، أخبرنا ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .

طريق آخر :

أخرجه النسائي ، وابن ماجه عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرجع في هبته إلا الوالد من ولده }زاد النسائي : { والعائد في هبته ، كالكلب يعود في قيئه } ، انتهى .

قال الدارقطني في " علله " : [ ص: 264 ] هذا الحديث يرويه عمرو بن شعيب ، واختلف عليه فيه ، فرواه حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمر ، وابن عباس ، ورواه عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ولعل الإسنادين محفوظان ; ورواه أسامة بن زيد ، والحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في العائد في هبته دون ذكر الوالد يرجع في هبته ; ورواهالحسن بن مسلم عن طاوس مرسلا ، وتابعه إبراهيم بن طهمان ، وعبد الوارث عن عامر الأحول انتهى كلامه . ومما استدل به الخصوم على منع الرجوع في الهبة حديث قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس مرفوعا : { العائد في هبته كالعائد في قيئه }انتهى . زاد أبو داود : قال قتادة : لا نعلم القيء إلا حراما انتهى .

وهو أقوى في الحجة من حديث طاوس عن ابن عباس مرفوعا : { العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه }انتهى . قال ابن القطان : أخرجهما البخاري ، ومسلم .

الحديث الثاني : قال عليه السلام { الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها }; قلت : روي من حديث أبي هريرة ; ومن حديث ابن عباس ; ومن حديث ابن عمر . [ ص: 265 ] فحديث أبي هريرة : أخرجه ابن ماجه في " الأحكام " عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها }انتهى .

وأخرجه الدارقطني في " سننه " ، وابن أبي شيبة في " مصنفه " ، وإبراهيم بن إسماعيل بن جارية ضعفوه وأما حديث ابن عباس : فله طريقان : أحدهما : عند الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثني أبي قال : وجدت في كتاب أبي عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من وهب هبة ، فهو أحق بهبته ما لم يثب منها ، فإن رجع في هبته ، فهو كالذي يقيء ثم يأكل قيئه }انتهى .

الطريق الثاني :

عند الدارقطني في " سننه " عن إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي عن محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من وهب هبة فارتجع فيها ، فهو أحق بها ما لم يثب منها ، ولكنه كالكلب يعود في قيئه }انتهى .

وأعله عبد الحق في " أحكامه " بمحمد بن عبيد الله العرزمي قال ابن القطان كالمتعقب عليه : وهو لم يصل إلى العرزمي إلا على لسان كذاب ، وهو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي ، فلعل الجناية منه انتهى .

وأما حديث ابن عمر : فرواه الحاكم في المستدرك في البيوع " حدثنا أحمد بن حازم بن أبي عزرة ثنا عبد الله بن موسى ثنا حنظلة بن أبي سفيان ، قال : سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها }انتهى .

وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا انتهى .

ورواه الدارقطني في " سننه " ، وعن الحاكم رواه البيهقي في " المعرفة " .

وقال : غلط فيه عبد الله بن موسى ، والصحيح رواية [ ص: 266 ] عبد الله بن وهب عن حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر من قوله ، وإسناد حديث أبي هريرة أليق إلا أن فيه إبراهيم بن إسماعيل ، وهو ضعيف عند أهل الحديث ، فلا يبعد منه الغلط والصحيح رواية سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر ، فرجع الحديث إلى عمر من قوله ، والله أعلم انتهى كلامه .

وفي الباب حديث : { إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها } ، وسيأتي قريبا ، وحجتنا فيه بمفهوم الشرط ، لأن معناه : وإذا كانت لغير محرم فله الرجوع ، بل هو مصرح به في أثر عن عمر ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم ، قال : قال عمر : من وهب هبة لذي رحم ، فليس له أن يرجع فيها ، ومن وهب هبة لغير ذي رحم ، فله أن يرجع فيها ، إلا أن يثاب منها ، انتهى .

الحديث الثالث : قال عليه السلام : { العائد في هبته كالعائد في قيئه }; قلت : أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { العائد في هبته كالعائد في قيئه }انتهى .

زاد أبو داود قال قتادة : ولا نعلم القيء إلا حراما انتهى . ويوجد في بعض نسخ " الهداية " { العائد في هبته ، كالكلب يعود [ ص: 267 ] في قيئه } ، وهو كذلك في غالب كتب أصحابنا ، أخرجه البخاري ، ومسلم عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { العائد في هبته ، كالكلب يعود في قيئه }انتهى

.

التالي السابق


الخدمات العلمية