نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 343 ] كتاب الولاء الولاء نوعان : ولاء عتاقة ويسمى ولاء نعمة ، وسببه العتق على ملكه في الصحيح ، حتى لو عتق قريبه عليه بالوراثة كان الولاء له ، وولاء موالاة وسببه العقد ، ولهذا يقال : ولاء العتاقة ، وولاء الموالاة ، والحكم يضاف إلى سببه ، والمعنى فيهما التناصر ، وكانت العرب تتناصر بأشياء وقرر النبي عليه الصلاة والسلام [ ص: 344 ] تناصرهم بالولاء بنوعيه ، فقال { : إن مولى القوم منهم وحليفهم منهم } [ ص: 345 ] والمراد بالحليف مولى الموالاة ; لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف .

قال : ( وإذا أعتق المولى مملوكه فولاؤه له ) لقوله عليه الصلاة والسلام { : الولاء لمن أعتق }; ولأن التناصر به فيعقله ، وقد أحياه معنى بإزالة الرق عنه فيرثه ويصير الولاء كالولاد ; ولأن الغنم بالغرم .

وكذلك المرأة تعتق لما روينا { ومات معتق لابنة حمزة رضي الله عنهما عنها [ ص: 346 ] وعن بنت فجعل النبي عليه الصلاة والسلام المال بينهما نصفين }ويستوي فيه الإعتاق بمال وبغيره لإطلاق ما ذكرناه .

قال : ( فإن شرط أنه سائبة فالشرط باطل والولاء لمن أعتق ) ; لأن الشرط مخالف للنص فلا يصح . .


[ ص: 343 ] كتاب الولاء

الحديث الأول : { قال عليه السلام : إن مولى القوم منهم ، وحليفهم منهم }; قلت : روي من حديث رفاعة بن رافع الزرقي ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث عمرو بن عوف ; ومن حديث عتبة بن غزوان .

فحديث رفاعة بن رافع : رواه أحمد في " مسنده " ، وابن أبي شيبة في " مصنفه في كتاب الأدب " حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مولى القوم منهم ، وابن أختهم منهم ، وحليفهم منهم }انتهى .

ومن طريق ابن أبي شيبة ، رواه الطبراني في " معجمه " ، ورواه الحاكم في " المستدرك في تفسير سورة الأنفال " ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى . ورواه البخاري في " كتابه المفرد في الأدب " حدثنا عمرو بن خالد الحراني ثنا زهير ثنا عبد الله بن عثمان به ، وذكر فيه قصة ; ولفظه { : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : اجمع لي قومك ، فجمعهم ، فلما حضروا باب النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر ، فقال : قد جمعت لك قومي ، فسمع ذلك الأنصار ، [ ص: 344 ] فقالوا : قد نزل في قريش الوحي ، فجاء المستمع ، والناظر ، ما يقال لهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقام بين أظهرهم ، فقال : هل فيكم من غيركم ؟ قالوا : نعم ، فينا حليفنا ، وابن أختنا ، وموالينا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حليف القوم } ، إلى آخره . ورواه أحمد أيضا حدثنا عفان ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم به . وأما حديث أبي هريرة :

فرواه البزار في " مسنده " حدثنا زريق بن السحت ثنا محمد بن عمر بن واقد عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : حليف القوم منهم ، وابن أختهم منهم }انتهى . وسكت عنه .

وأما حديث عمرو بن عوف :

فرواه الدارمي ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه في " مسانيدهم " ، والطبراني في " معجمه " من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده { عمرو بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا معهم ، فدخل بينهم ، ثم قال : ادخلوا علي ، ولا يدخل علي إلا قرشي . قال : فتساللت فدخلت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر قريش هل معكم أحد ليس منكم ؟ قالوا : يا رسول الله معنا ابن الأخت ، والمولى ، والحليف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن أخت القوم منهم ، وحليفهم منهم ، ومولاهم منهم }انتهى .

ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في " كتابه غريب الحديث " ، ثم قال : والحليف أيمان كانوا يتحالفونها على أن يلزم بعضهم بعضا انتهى . وأما حديث عتبة بن غزوان :

فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسن بن علي العمري ثنا عبد الملك بن بشير الشامي ثنا عمر أبو حفص ثنا عتبة بن إبراهيم بن عتبة بن غزوان عن أبيه { عن عتبة بن غزوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لقريش : هل فيكم من ليس منكم ؟ قالوا : ابن أختنا عتبة بن غزوان ، قال : ابن أخت القوم منهم ، وحليف القوم منهم }انتهى .

ورواه ابن سعد في " الطبقات " ، أخبرنا محمد بن عمر الواقدي ثنا [ ص: 345 ] إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدي عن مصعب بن محمد بن شرحبيل عن محمد بن شرحبيل ابن حسنة عن عتبة بن غزوان ، فذكره . ورد بعض الناس هذا القول أعني التوارث بالحلف بقوله عليه السلام : { لا حلف في الإسلام } ، أخرجه مسلم في " آخر الفضائل " عن جبير بن مطعم .

الحديث الثاني : { قال عليه السلام : الولاء لمن أعتق }; قلت : أخرجه الأئمة الستة { عن عائشة أنها لما اشترت بريرة اشترط أهلها أن ولاءها لهم ، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق }انتهى .

أخرجه البخاري في " المكاتب " ، ومسلم ، وأبو داود في " العتق " ، والترمذي في " الولاء " ، والنسائي ، وابن ماجه في " الأحكام " ، وأخرج مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال { : أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها ، فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك ، فإنما الولاء لمن أعتق }انتهى .

قال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " : وأخرجه البخاري من حديث ابن عمر في " المكاتب وفي الفرائض " .

الحديث الثالث : روي أنه { مات معتق لابنة حمزة عنها ، وعن بنت ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم : المال بينهما نصفين }; قلت : روي من حديث أمامة ابنة حمزة ; ومن حديث [ ص: 346 ] ابن عباس . فحديث أمامة :

أخرجه النسائي ، وابن ماجه في " سننيهما في الفرائض " عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد { عن ابنة حمزة بن عبد المطلب ، قالت : مات مولى لي ، وترك ابنة له ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ولها النصف }انتهى . ثم أخرجه النسائي عن عبد الله بن عون عن الحكم بن عتيبة { عن عبد الله بن شداد أن ابنة حمزة أعتقت مملوكا لها ، فمات وترك ابنته ومولاته } ، الحديث . قال : وهذا أولى بالصواب من حديث ابن أبي [ ص: 347 ] ليلى ، وابن أبي ليلى كثير الخطإ انتهى . وابنة حمزة هذه اسمها أمامة ، صرح به الحاكم في " المستدرك " ، فرواه في " كتاب الفضائل " عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد ، وهو أخو أمامة بنت حمزة لأمها عن أخته أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب ، فذكره بلفظ النسائي ، وسكت عنه ، هكذا وقع في " المستدرك " اسمها أمامة ، قال ابن الأثير : وهو الصحيح .

وقال ابن عساكر في " أطرافه " : إن لم تكن ابنة حمزة هذه أمامة ، فلا أدري من هي ، انتهى .

قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن { عبد الله بن شداد عن فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب ، قالت : مات مولى لي وترك ابنته ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ولها النصف }انتهى .

ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في " معجمه " ، ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا عبد الله بن إدريس ثنا أبو إسحاق الشيباني عن عبيد بن أبي الجعد عن عبد الله بن شداد عن فاطمة بنت حمزة ، فذكره ، هكذا وجدته في هذين الكتابين : اسمها فاطمة ، والله أعلم .

ورواه أبو داود في " المراسيل " عن شعبة عن الحكم { عن عبد الله بن شداد ، قال : أتدرون ما ابنة حمزة ؟ كانت أختي لأمي ، وأنها لأعتقت مملوكا لها ، فتوفي ، وترك ابنته ومولاته ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه بينهما نصفين }انتهى .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن شداد ، فذكره ، قال الثوري : وأخبرني ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور بن حيان عن عبد الله بن شداد ، فذكره .

وأما حديث ابن عباس : فأخرجه الدارقطني في " سننه في الفرائض " عن سليمان بن داود المنقري ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد { عن ابن عباس [ ص: 348 ] أن مولى لحمزة توفي وترك ابنته ، وابنة حمزة ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف ، ولابنة حمزة النصف }انتهى .

قال صاحب " التنقيح " : وسليمان بن داود هذا هو الشاذكوني . وقد ضعفوه ، وكذبه ابن معين ، وغيره ; وقال أبو حاتم : متروك الحديث ; وقال البخاري : هو عندي أضعف من كل ضعيف انتهى . وفي هذا المتن أن المولى لحمزة ، وفي متن النسائي أن المولى لابنته ، وأنها التي أعتقته ، فالله أعلم ; وفي " مراسيل أبي داود " عن إبراهيم قال { : توفي مولى لحمزة بن عبد المطلب ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنت حمزة النصف ، وقبض النصف } ، انتهى . وهذا مخالف لما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية