نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 355 ] فصل في ولاء الموالاة قال : ( وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه [ ص: 356 ] أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه فإن مات ولا وارث له غيره فميراثه للمولى ) وقال الشافعي رحمه الله : الموالاة ليست بشيء ; لأن فيه إبطال حق بيت المال ، ولهذا لا يصح في حق وارث آخر ، ولهذا لا يصح عنده الوصية لجميع المال وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال ، وإنما يصح في الثلث . ولنا قوله تعالى: { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم }والآية في الموالاة { وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه : فقال هو أحق الناس به محياه ومماته }وهذا يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين ; ولأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث شاء والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا أنه مستحق .

قال : ( وإن كان له وارث فهو أولى منه وإن كانت عمة أو خالة أو غيرهما من ذوي الأرحام ) ; لأن الموالاة عقدهما فلا يلزم غيرهما وذو الرحم [ ص: 357 ] وارث ، ولا بد من شرط الإرث والعقل كما ذكر في الكتاب ; لأنه بالالتزام وهو بالشرط ومن شرطه أن لا يكون المولى من العرب ; لأن تناصرهم بالقبائل فأغنى عن الموالاة .

قال : ( وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غير ما لم يعقل عنه ) ; لأنه عقد غير لازم بمنزلة الوصية ، وكذا للأعلى أن يتبرأ عن ولائه لعدم اللزوم إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر كما في عزل الوكيل قصدا ، بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول ; لأنه فسخ حكمي بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة .

قال : ( وإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره ) ; لأنه تعلق به حق الغير ; ولأنه قضى به القاضي ; ولأنه بمنزلة عوض ناله كالعوض في الهبة وكذا لا يتحول ولده وكذا إذا عقل عن ولده لم يكن لكل واحد منهما أن يتحول ; لأنهم في حق الولاء كشخص واحد . .


الحديث الثامن : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أسلم على يد آخر ، ووالاه ، فقال : هو أحق الناس به ، محياه ومماته }; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة في " كتبهم في الفرائض " ، فأبو داود عن يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، قال : سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن { تميم الداري ، قال : يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد رجل من المسلمين ؟ قال : [ ص: 356 ] هو أولى الناس بمحياه ومماته }انتهى .

وأخرجه الترمذي عن أبي أسامة ، وابن نمير ، ووكيع ثلاثتهم عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري ، فذكره ، وقال : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن موهب ، ويقال : وهب عن تميم الداري ، وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب ، وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب ، هكذا رواه يحيى بن حمزة ، وهو عندي ليس بمتصل انتهى . وأخرجه النسائي عن أبي إسحاق عن عبد الله بن وهب عن تميم نحوه .

وعن عبد الله بن داود عن عبد العزيز بن عمر عن عبد الله بن موهب عن تميم نحوه ; وأخرجه ابن ماجه عن وكيع عن عبد العزيز بن عمر عن عبد الله بن موهب عن تميم نحوه ، وأخرجه الحاكم في " المستدرك في كتاب المكاتب " عن عبد الله بن وهب القرشي عن قبيصة بن ذؤيب عن { تميم الداري ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يسلم على [ ص: 357 ] يد الرجل ، فقال : هو أولى الناس بمحياه ومماته }انتهى .

وقال : على شرط مسلم ، وعبد الله بن موهب هو ابن زمعة انتهى . وتعقبه الذهبي في " مختصره " ، فقال : لم يخرج له إلا ابن ماجه فقط ; ثم هو وهم من الحاكم ، فإن ابن زمعة لم يرو عن تميم الداري ; وصوابه عبد الله بن موهب ، وكذا جاء في " كتاب النسائي " عن عبد الله بن وهب ، انتهى كلامه . ورواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، والدارمي وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " بالسند المنقطع فقط ; وكذلك الدارقطني في " سننه " ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في الولاء " حدثنا ابن المبارك أخبرني عبد العزيز بن عمر عن عبد الله بن وهب عن تميم ، وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا في " الفرائض " [ ص: 358 ] فقال : باب " إذا أسلم على يديه " ، ويذكر عن تميم الداري رفعه ، { قال : هو أولى الناس به ، محياه ومماته } ، وقد اختلفوا في صحة هذا الخبر انتهى .

وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن يحيى بن حمزة بسند أبي داود . ثم أخرجه عن حفص بن غياث عن عبد العزيز بن عمر بسند الترمذي ، قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي ; هذا حديث ليس عندنا بثابت ، إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري ، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ، ولا لقي تميما فيما نعلم . ومثل هذا لا يثبت عندنا ، وقال يعقوب بن سفيان الفسوي : هذا خطأ ، ابن موهب لم يسمع من تميم ، ولا لحقه انتهى .

وقال البيهقي في " كتاب مناقب الشافعي " : وقد صرح بعض الرواة فيه بسماع ابن موهب من تميم ، وضعفه البخاري ، وأدخل بعضهم بينه وبين تميم قبيصة ، وهو أيضا ضعيف ، وقد بيناه في " كتاب السنن " انتهى .

وقال ابن القطان في " كتابه " : وعلة هذا الحديث الجهل بحال عبد الله بن موهب ، فإنه لا يعرف حاله ، وكان قاضي فلسطين ، ولم يعرفه ابن معين ، وقد اختلفوا فيه على عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، فرواه الترمذي من حديث أبي أسامة ، وابن نمير ، ووكيع عنه عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري ; ورواه يحيى بن حمزة عنه ، فأدخل بينهما قبيصة بن ذؤيب ، وهو الأصوب ، وعبد العزيز هذا ليس به بأس ، والحديث من أجل عبد الله بن موهب هذا لا يصح انتهى كلامه . وقال الخطابي : وقد ضعف أحمد بن حنبل هذا الحديث ، وقال : [ ص: 359 ] إن راويه عبد العزيز ليس من أهل الحفظ والإتقان ، وقال ابن المنذر : لم يروه غير عبد العزيز بن عمر ، وهو شيخ ليس من أهل الحفظ ، وقد اضطربت روايته فيه ; قلت : عبد العزيز هذا من رجال " الصحيحين " ، وقال ابن معين : ثقة ، روى يسيرا ; وقال أبو زرعة : لا بأس به ، وقال أبو نعيم : ثقة ، وقال ابن عمار : ثقة ، لا اختلاف فيه . أحاديث الباب : روى الطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " من حديث معاوية بن يحيى الصدفي عن القاسم بن عبد العزيز عن أبي أمامة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أسلم على يديه رجل ، فولاؤه له }انتهى .

ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بمعاوية بن يحيى ، وأسند تضعيفه عن ابن معين ، والنسائي ، وابن المديني ، ووافقهم ، وقال : في رواياته نظر انتهى .

ورواه ابن عدي أيضا من حديث جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة ، وأعله بجعفر بن الزبير ، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة ابن عدي ، وقال : جعفر متروك ، وكان رجلا صالحا انتهى .

{ حديث آخر } :

رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " حدثنا بقية بن الوليد حدثني كثير بن مرة النهراني ثنا شيخ من باهلة { عن عمرو بن العاص أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن رجلا أسلم على يدي ، وله مال ، وقد مات ، قال : فلك ميراثه }انتهى .

ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في " معجمه " . أثر :

رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في الديات " حدثنا عبد السلام بن حرب عن خصيف عن مجاهد أن رجلا أتى عمر ، فقال : إن رجلا أسلم على يدي ، فمات وترك ألف درهم ، فتحرجت منها ، فقال : أرأيت لو جنى جناية على من تكون ؟ قال : علي ، قال : فميراثه لك انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية