نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب طلب الشفعة والخصومة فيها

قال : ( وإذا علم الشفيع بالبيع أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة ) .

اعلم أن الطلب على ثلاثة أوجه : طلب المواثبة ، وهو أن يطلبها كما علم حتى لو بلغ الشفيع البيع ، ولم يطلب شفعة بطلت الشفعة لما ذكرنا ولقوله عليه الصلاة والسلام : { الشفعة لمن واثبها }ولو أخبر بكتاب والشفعة في أوله أو في وسطه فقرأ الكتاب إلى آخره بطلت شفعته ، وعلى هذا عامة المشايخ رحمهم الله [ ص: 427 ] وهو رواية عن محمد ، وعنه أن له مجلس العلم ، والروايتان في النوادر ، وبالثانية أخذ الكرخي ; لأنه لما ثبت له خيار التملك لا بد له من زمان التأمل كما في المخيرة ، ولو قال بعدما بلغه البيع : الحمد لله أو لا حول ولا قوة إلا بالله أو قال : سبحان الله لا تبطل شفعته ; لأن الأول حمد على الخلاص من جواره .

والثاني : تعجب منه لقصد إضراره . والثالث : لافتتاح كلامه فلا يدل شيء منه على الإعراض ، وكذا إذا قال : من ابتاعها وبكم بيعت ; لأنه يرغب فيها بثمن دون ثمن ويرغب عن مجاورة بعض دون بعض ، والمراد بقوله في الكتاب : أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة ، طلب المواثبة والإشهاد فيه ليس بلازم إنما هو لنفي التجاحد ، والتقييد بالمجلس إشارة إلى ما اختاره الكرخي رحمه الله ، ويصح الطلب بكل لفظ يفهم منه طلب الشفعة ، كما لو قال طلبت الشفعة أو أطلبها أو أنا طالبها ; لأن الاعتبار للمعنى ، وإذا بلغ الشفيع بيع الدار لم يجب عليه الإشهاد ، حتى يخبره رجلان أو رجل وامرأتان أو واحد عدل عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : يجب عليه أن يشهد إذا أخبره واحد حرا كان أو عبدا صبيا كان أو امرأة إذا كان الخبر حقا ، وأصل الاختلاف في عزل الوكيل ، [ ص: 428 ] وقد ذكرناه بدلائله وأخواته فيما تقدم ، وهذا بخلاف المخيرة إذا أخبرت عنده ; لأنه ليس فيه إلزام حكم ، وبخلاف ما إذا أخبره المشتري ; لأنه خصم فيه ، والعدالة غير معتبرة في الخصوم ، والثاني طلب التقرير والإشهاد ; لأنه محتاج إليه لإثباته عند القاضي على ما ذكرنا ، ولا يمكنه الإشهاد ظاهرا على طلب المواثبة ; لأنه على فور العلم بالشراء ، فيحتاج بعد ذلك إلى طلب الإشهاد والتقرير ، وبيانه ما قال في الكتاب ( ثم ينهض منه ) يعني من المجلس ( ويشهد على البائع إن كان المبيع في يده ) معناه لم يسلم إلى المشتري ( أو على المبتاع أو عند العقار ، فإذا فعل ذلك استقرت شفعته ) وهذا ; لأن كل واحد منهما خصم فيه ; لأن للأول اليد وللثاني الملك ، وكذا يصح الإشهاد عند المبيع ; لأن الحق متعلق به ، فإن سلم البائع المبيع لم يصح الإشهاد عليه لخروجه من أن يكون خصما إذ لا يد له ولا ملك فصار كالأجنبي

وصورة هذا الطلب : أن يقول : إن فلانا اشترى هذه الدار ، وأنا شفيعها وقد كنت طلبت الشفعة وأطلبها الآن فاشهدوا على ذلك .

وعن أبي يوسف : أنه يشترط تسمية المبيع وتحديده ; لأن المطالبة لا تصح إلا في معلوم ، والثالث طلب الخصومة والتملك ، وسنذكر كيفيته من بعد إن شاء الله تعالى .


[ ص: 425 - 426 ] باب طلب الشفعة حديث واحد :

قال عليه السلام : { الشفعة لمن واثبها }قلت : غريب ; وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " من قول شريح : إنما الشفعة لمن واثبها ، وكذلك ذكره القاسم بن ثابت السرقسطي في " كتاب غريب الحديث في باب كلام التابعين " وهو آخر الكتاب . [ ص: 427 ] ومن أحاديث الباب :

ما أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : الشفعة كحل العقال ، }انتهى . أخرجه في " الأحكام " ; ورواه البزار في " مسنده " ، ومن طريق البزار رواه ابن حزم في " المحلى " ، وزاد فيه : ومن مثل بعبده فهو حر ، وهو مولى الله ، ورسوله ، والناس على شروطهم ما وافق الحق ، قال ابن القطان في " كتابه " : وهذه الزيادة ليست عند البزار في حديث الشفعة ، ولكنه أورد حديث العبد ، بالإسناد المذكور حديثا ، وأورد أمر الشروط حديثا ، وأظن أن ابن حزم لما وجد ذلك كله بإسناد واحد لفقه حديثا ، وأخذ تشنيعا على الخصوم الآخذين لبعض ما روي بهذا الإسناد ، التاركين لبعضه انتهى .

ورواه ابن عدي في " الكامل " بلفظ ابن ماجه ، وضعف محمد بن الحارث عن البخاري ، والنسائي ، وابن معين ، وضعف شيخه أيضا ، قال ابن القطان : واعلم أن محمد بن الحارث هذا ضعيف جدا ، وهو أسوأ حالا من أن البيلماني ، وأبيه ، قال فيه [ ص: 428 ] الفلاس : متروك الحديث ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وضعفه أبو حاتم ، ولم أر فيه أحسن من قول البزار فيه : رجل مشهور ، ليس به بأس ، وإنما أعله بمحمد بن عبد الرحمن بن البيلماني انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية