نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 61 ] قال : ( ويكره لحم الفرس عند أبي حنيفة رحمه الله ) وهو قول مالك .

وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم اللهلا بأس بأكله لحديث جابر رضي الله عنه أنه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل يوم خيبر } ، ولأبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى: { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة }خرج مخرج الامتنان ، والأكل من أعلى منافعها ، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها ، ولأنه آلة إرهاب العدو فيكره أكله احتراما له ، ولهذا يضرب له بسهم في الغنيمة ، ولأن [ ص: 62 ] في إباحته تقليل آلة الجهاد ، وحديث جابر معارض بحديث خالد رضي الله عنه والترجيح للمحرم . ثم قيل الكراهة عنده كراهة تحريم ، وقيل كراهة تنزيه [ ص: 63 ] والأول أصح ، وأما لبنه فقد قيل لا بأس به ; لأنه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد .


الحديث التاسع عشر : وعن جابر ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحم الخيل يوم خيبر }; قلت : أخرجه البخاري في " غزوة خيبر وفي الذبائح " ، ومسلم في " الذبائح " عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن [ ص: 62 ] جابر بن عبد الله ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل }انتهى . ولفظ البخاري : { ورخص في لحوم الخيل }.

قوله : وحديث جابر هذا معارض بحديث خالد ، والترجيح للمحرم ; قلت : يشير إلى حديث خالد المتقدم { أنه عليه السلام نهى عن لحوم الخيل ، والبغال ، والحمير }; وهذا فيه نظر ، فإن حديث جابر المتقدم صحيح ، وحديث خالد بن الوليد متكلم فيه إسنادا ومتنا ، كما تقدم ، ومنهم من ادعى نسخه بحديث جابر ; لأنه قال فيه : وأذن ، وفي لفظ : ورخص ، قال الحازمي في " كتابه " : والإذن والرخصة تستدعي سابقة المنع ، ولو لم يرد هذا اللفظ لتعذر القطع بالنسخ ، لعدم التاريخ ، فوجب المصير إليه ، وفي " الصحيح " عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : { نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا ، فأكلناه } ، وفي رواية : { أكلنا لحم فرس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره } ، ثم نقل الحازمي عن بعضهم أنه قال : ليس فيه نسخ ، ولكن الاعتماد على أحاديث الإباحة لصحتها ، وكثرة روايتها ، قالوا : وحديث خالد إنما ورد في قضية معينة ، وهو أن سبب التحريم في الخيل ، وفي البغال ، والحمير مختلف ، وذلك أنه نهى عن البغال والحمير لذاتها ، وعن الخيل ; لأنهم سارعوا في طبخها يوم خيبر قبل أن تخمس ، فأمر عليه السلام بإكفائها ، تغليظا عليهم ، فلما رأوا نهيه عليه السلام عن تناول لحوم الخيل ، والبغال ، والحمير اعتقدوا أن سبب التحريم واحد ، حتى نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية ، فإنها رجس ، فحينئذ فهموا أن سبب التحريم مختلف ، وأن الحكم بتحريم الحمار الأهلي على التأبيد ، وأن الخيل إنما كان نهيا عن تناول ما لم يخمس ، فيكون قوله : أذن ، ورخص ، دفعا لهذه الشبهة ; إلا أنه رافع لحكم أول ، ثم استدل عليه [ ص: 63 ] بحديث أبي داود ، أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم ، الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية