نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 68 ] قال : ( ويكره أكل الطافي منه ) وقال مالك والشافعي رحمهما اللهلا بأس به لإطلاق ما روينا ولأن ميتة البحر موصوفة بالحل بالحديث . ولنا ما روى جابر رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { ما نضب عنه الماء فكلوا وما لفظه الماء فكلوا وما طفا فلا تأكلوا }. [ ص: 69 - 71 ] وعن جماعة من الصحابة مثل مذهبنا ، وميتة البحر ما لفظه البحر ليكون موته مضافا إلى البحر لا ما مات فيه من غير آفة


[ ص: 68 ] الحديث الخامس والعشرون : روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما نضب عنه الماء فكلوا وما لفظه الماء فكلوا ، وما طفا فلا تأكلوا }; قلت : غريب بهذا اللفظ ، وأخرج أبو داود ، وابن ماجه عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما ألقاه البحر ، أو جزر عنه ، فكلوه ، وما مات فيه ، وطفا ، فلا تأكلوه }انتهى .

وضعفه البيهقي ، فقال : ويحيى بن سليم كثير الوهم ، سيئ الحفظ ، وقد رواه غيره موقوفا انتهى .

وفيه نظر ، فإن يحيى بن سليم أخرج له الشيخان ، فهو ثقة ، وزاد فيه الرفع ، ونقل ابن القطان في " كتابه " عن ابن معين ، قال : هو ثقة ، ولكن في حفظه شيء ، ومن أجل ذلك تكلم الناس فيه انتهى .

وإسماعيل بن أمية هذا هو القرشي الأموي ، روى له الشيخان في " صحيحيهما " ، وظنه ابن الجوزي غيره ، فقال : هو متروك ، وليس كما قال ، بل ذاك آخر ليس في طبقته ، قال البيهقي : وقد رواه يحيى بن أبي أنيسة أيضا عن أبي الزبير مرفوعا ، ويحيى متروك لا يحتج به ، ورواه بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، ولا يحتج بما تفرد به بقية ، فكيف بما يخالف فيه انتهى .

وقال أبو داود : رواه الثوري ، وأيوب ، وحماد عن أبي الزبير موقوفا على جابر ، وقد أسند من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر ، وهذا الذي أشار إليه أخرجه الترمذي عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما اصطدتموه وهو حي ، فكلوه ، وما وجدتم ميتا طافيا فلا تأكلوه }.

قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : ليس بمحفوظ ، ويروى عن جابر خلاف هذا ، ولا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئا انتهى .

وقول البخاري : لا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئا ، هو على مذهبه في اشتراط ثبوت السماع ، للإسناد المعنعن ، وقد أنكره مسلم ، وزعم أن المتفق عليه أنه يكفي للاتصال إمكان اللقاء ، [ ص: 69 ] وابن أبي ذئب أدرك زمان أبي الزبير بلا خلاف ، فسماعه منه ممكن ، والله أعلم ; ورواه الطحاوي في " أحكام القرآن " من طريق عبد العزيز بن عبد الله عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعا ، وعبد العزيز هذا صحح الحاكم في " مستدركه " حديثه ، وضعفه ابن القطان في " كتابه " قال ابن أبي حاتم في " علله " : سألت أبا زرعة من حديث رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان ، ونعيم بن عبد الله عن جابر بن عبد الله { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما حسر عنه البحر ، فكل ، وما ألقى البحر ، فكل ، وما طفا على الماء ، فلا تأكل } ، فقال أبو زرعة : هذا خطأ ، إنما هو موقوف على جابر ، وعبد العزيز بن عبيد الله واهي الحديث انتهى .

وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي أحمد الزبيري ثنا الثوري عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، نحوه ، ثم قال : لم يسنده عن الثوري غير أبي أحمد ، وخالفه وكيع ، وعبد الرزاق ، ومؤمل ، وأبو عاصم ، وغيرهم عن الثوري ، فرووه موقوفا ، وهو الصواب ، قال : وكذلك رواه أيوب السختياني ، وعبيد الله بن عمر ، وابن جريج ، وزهير ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم عن أبي الزبير موقوفا ، وروي عن إسماعيل بن أمية ، وابن أبي ذئب عن أبي الزبير مرفوعا ، ولا يصح ، رفعه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية ، ووقفه غيره ، ثم رواه من طريق أبي داود بسنده ومتنه ، ثم أخرجه عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن أمية به موقوفا ، وقال : هو الصحيح ، أخرجه أيضا عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبد الله عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كلوا ما حسر عنه البحر ، وما ألقاه ، وما وجدتموه طافيا فوق الماء ، أو ميتا ، فلا تأكلوه }انتهى .

وقال : تفرد به عبد العزيز عن وهب ، وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به انتهى .

وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عبد العزيز بن عبد الله بن حمزة بن صهيب عن وهب به ، وضعفه ، وقال : لا أعلم أحدا يروي عنه غير إسماعيل بن عياش ، انتهى . [ ص: 70 ] ومن حجج الخصوم في إباحة أكل الطافي حديث العنبر ، وهو في " الصحيح " من طرق عن جابر ، وحديث : { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } ، وحديث : { أحلت لنا ميتتان ، ودمان } ، والله أعلم . فحديث العنبر أخرجه البخاري ، ومسلم في " الصيد والذبائح " { عن جابر ، قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة ، نتلقى عيرا لقريش ، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره ، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة ، فكنا نمصها كما يمص الصغير ، ثم نشرب عليها من الماء فيكفينا إلى الليل ، وكنا نضرب بعصينا الخبط ، ثم نبله بالماء فنأكله ، قال : فانطلقنا على ساحل البحر ، فألقى لنا البحر دابة يقال لها : العنبر ، قال أبو عبيدة : ميتة ، ثم قال : لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم فكلوا ، قال : فأقمنا عليه شهرا ، ونحن ثلاثمائة حتى سمنا ، ولقد كنا نغترف الدهن من وقب عينيه بالقلال ، وأخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه ، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامه ، ثم رحل أعظم بعير معنا ، فمر من تحتها ، وتزودنا من لحمه وشائق ، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، فقال : هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم من لحمه شيء ، فتطعمونا ؟ قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله }انتهى .

وفيه { حديث آخر } : أخرجه مسلم في حديث جابر الطويل في آخر صحيح مسلم ولفظه { قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قوت كل رجل منا كل يوم تمرة ، فكان يمصها ، ثم يصرها في ثوبه ، وكنا نختبط بقسينا ، ونأكل حتى قرحت أشداقنا ، إلى أن قال : وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ، فقال : عسى الله أن يطعمكم ، فأتينا سيف البحر ، فزخر البحر زخرة ، فألقى دابة ، فأورينا على شقها النار ، فاطبخنا ، واشتوينا ، وأكلنا ، وشبعنا ، قال جابر : فدخلت أنا ، وفلان ، وفلان ، حتى عد خمسة في حجاج عينها ما يرانا أحد ، حتى خرجنا ، ثم أخذنا ضلعا من أضلاعها ، فقوسناه ، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب ، وأعظم جمل في الركب ، وأعظم كفل في الركب ، [ ص: 71 ] فدخل تحته ما يطأطئ رأسه } ، مختصر ; وهذه واقعة أخرى غير تلك ، فإن هذه كانت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم دون الأولى ، قاله عبد الحق .

قوله : وعن جماعة من الصحابة مثل مذهبنا يعني كراهة أكل الطافي قلت : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه في الصيد " كراهيته عن جابر بن عبد الله ، وعلي ، وابن عباس ، وكذا عن ابن المسيب ، وأبي الشعثاء ، والنخعي ، وطاوس ، والزهري ، وكذلك فعل عبد الرزاق في " مصنفه " ، وأخرج الدارقطني في " سننه " إباحته عن أبي بكر ، وأبي أيوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية