نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 73 ] كتاب الأضحية

قال : ( الأضحية واجبة على كل حر مسلم مقيم موسر في يوم الأضحى عن نفسه وعن ولده الصغار ) أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهم الله ، وعنه أنها سنة ذكره في الجوامع وهو قول الشافعي رحمه الله ، وذكر الطحاوي رحمه الله أن على قول أبي حنيفة رحمه الله واجبة ، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما اللهسنة مؤكدة ، وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف ، وجه السنة قوله عليه الصلاة والسلام : " { من أراد أن يضحي منكم فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئا }" [ ص: 74 ] والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر ; لأنهما لا يختلفان في الوظائف المالية كالزكاة وصار كالعتيرة . ووجه الوجوب قوله عليه الصلاة والسلام : " { من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا }" ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب ولأنها قربة يضاف إليها وقتها ، يقال : يوم الأضحى وذلك يؤذن بالوجوب ; لأن الإضافة للاختصاص [ ص: 75 ] وهو بالوجود ، والوجوب هو المفضي إلى الوجود ظاهرا بالنظر إلى الجنس ، غير أن الأداء يختص بأسباب يشق على المسافر استحضارها ، ويفوت بمضي الوقت فلا تجب عليه بمنزلة الجمعة ، والمراد بالإرادة فيما روي والله أعلم ما هو [ ص: 76 ] ضد السهو لا التخيير ، والعتيرة منسوخة ، وهي شاة تقام في رجب على ما قيل ، وإنما اختص الوجوب بالحرية ; لأنها وظيفة مالية لا تتأدى إلا بالملك ، والمالك هو الحر ، وبالإسلام لكونها قربة ، وبالإقامة لما بينا ، واليسار لما روينا من اشتراط السعة ، ومقداره ما يجب به صدقة الفطر ، وقد مر في الصوم وبالوقت وهو يوم الأضحى ; لأنها مختصة به ، وسنبين مقداره إن شاء الله تعالى وتجب عن نفسه ; لأنه أصل في الوجوب عليه على ما بيناه وعن ولده الصغير ; لأنه في معنى نفسه فيلحق به كما في صدقة الفطر ، وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله ، وروي عنه أنه لا تجب عن ولده وهو ظاهر الرواية بخلاف صدقة الفطر ; لأن [ ص: 77 ] السبب هناك رأس يمونه ويلي عليه وهما موجودان في الصغير ، وهذه قربة محضة ، والأصل في القرب أن لا تجب على الغير بسبب الغير ، ولهذا لا تجب عن عبده وإن كان يجب عنه صدقة فطره ، وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه أو وصيه من ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.

وقال محمد وزفر والشافعي رحمهم الله: يضحي من مال نفسه لا من مال الصغير فالخلاف في هذا كالخلاف في صدقة الفطر ، وقيل لا تجوز التضحية من مال الصغير في قولهم جميعا ; لأن هذه القربة تتأدى بالإراقة ، والصدقة بعدها تطوع ، ولا يجوز ذلك من مال الصغير ولا يمكنه أن يأكله كله ، والأصح أن يضحي من ماله ويأكل منه ما أمكنه ويبتاع مما بقي ما ينتفع بعينه .


[ ص: 73 ] كتاب الأضحية

الحديث الأول : قال عليه السلام : " { من أراد منكم أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره وأظفاره }" ; قلت : أخرجه الجماعة إلا البخاري عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من رأى هلال ذي الحجة منكم ، وأراد أن يضحي ، فليمسك عن شعره ، وأظفاره }انتهى . ووهم الحاكم في " المستدرك " ، فرواه ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى .

قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : في هذا الحديث دليل على عدم وجوب الأضحية ; لأنه علقه بالإرادة ، والإرادة تنافي الوجوب ، وبذلك أيضا استدل ، ابن الجوزي في " التحقيق " لمذهب أحمد ، ولم يتعقبه صاحب " التنقيح " ، ولكن تعقبه في " كتاب الوصايا " حين احتج على داود في اختياره وجوب الوصية ، بقوله عليه السلام : { ما حق امرئ أن يبيت ليلتين ، وله مال ، يريد أن يوصي فيه إلا وصيته مكتوبة عنده }.

قال : والإرادة تنافي الوجوب ، فقال في " التنقيح " : لا حجة فيه ; لأن الواجب قد تعلق على الإرادة ، والله أعلم ، انتهى .

[ ص: 74 ] أحاديث الباب : روى أحمد في " مسنده " ، والحاكم في " المستدرك " ، وسكت عنه من حديث أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حية عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاث هن علي فرائض ، وهن لكم تطوع : الوتر ، والنحر ، وصلاة الضحى }انتهى .

قال الذهبي في " مختصره " : سكت الحاكم عنه ، وفيه أبو جناب الكلبي ، وقد ضعفه النسائي ، والدارقطني انتهى

وقد تقدم في " الوتر " ، وأخرجه الدارقطني عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا : { كتب علي النحر ، ولم يكتب عليكم } ، الحديث ، وجابر الجعفي ضعيف ، قال صاحب " التنقيح " : وروي من طرق أخرى ، وهو ضعيف على كل حال انتهى . الآثار : قال السرقسطي في " كتابه " : أخبرنا محمد بن علي ثنا سعيد بن منصور ثنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : إني لأدع الأضحية ، وأنا من أيسركم ، كراهية أن يعلم الناس أنها حتم واجب ، انتهى

الحديث الثاني : قال عليه السلام : " { من وجد سعة ، ولم يضح ، فلا يقربن مصلانا }" ; قلت : أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن زيد بن الحباب عن عبد الله بن عياش عن عبد الرحمن بن الأعرج عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : " { من كان له سعة ، ولم يضح ، فلا يقربن مصلانا }انتهى .

ورواه أحمد وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، والدارقطني في " سننه " ، والحاكم في " المستدرك في تفسير سورة الحج " ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ; وأخرجه [ ص: 75 ] في " الضحايا " عن عبد الله بن يزيد المقري ثنا عبد الله بن عياش به مرفوعا ; وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، ثم رواه من حديث ابن وهب أخبرني عبد الله بن عياش ، فذكره موقوفا ، قال : هكذا وقفه ابن وهب ، والزيادة من الثقة مقبولة ، وعبد الله بن يزيد المقري فوق الثقة انتهى

قال في " التنقيح " : حديث ابن ماجه رجاله كلهم رجال الصحيحين إلا عبد الله بن عياش ، القتباني ، فإنه من أفراد مسلم ، قال : وكذلك رواه حيوة بن شريح ، وغيره عن عبد الله بن عياش به مرفوعا ، ورواه ابن وهب عن عبد الله بن عباس به موقوفا ، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة ، وعبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا ، وهو أشبه بالصواب انتهى

وذهل شيخنا علاء الدين مقلدا لغيره ، فعزا هذا الحديث للدارقطني فقط ، قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وهذا الحديث لا يدل على الوجوب ، كما في حديث { من أكل الثوم ، فلا يقربن مصلانا }.

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري ، ومسلم عن البراء بن عازب عن أبي بردة بن نيار ، { قال : يا رسول الله إن عندي جذعة ، قال : اذبحها ، ولن تجزئ عن أحد بعدك } ، ومثل هذا لا يستعمل إلا في الواجب ، قال ابن الجوزي : ومعناه يجزئ في إقامة السنة بدليل أنه ورد في الحديث ، { فمن فعل ذلك ، فقد أصاب سنتنا }.

{ حديث آخر } : حديث مخنف بن سليم : { على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة } ، وسيأتي ، قال ابن الجوزي : وهذا متروك الظاهر ; إذ لا يسن العتيرة أصلا ، ولو قلنا بوجوب الأضحية كانت على الشخص الواحد ، لا على جميع أهل البيت انتهى

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن المسيب بن شريك ثنا عبيد المكتب عن الشعبي عن مسروق عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { نسخ الأضحى كل ذبح ، ورمضان كل صوم }.

قال البيهقي : إسناده ضعيف بمرة ، والمسيب بن شريك متروك ، وقال في " التنقيح " : قال الفلاس : أجمعوا على ترك حديث المسيب بن شريك انتهى .

[ ص: 76 ] حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن عائشة قالت : { يا رسول الله أستدين وأضحي ؟ قال : نعم ، فإنه دين مقضي }انتهى

قال : وهرير ضعيف ، ولم يدرك عائشة .

قوله : والعتيرة منسوخة ، وهي شاة تقام في رجب على ما قيل ; قلت : روى الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا فرع ولا عتيرة }" انتهى . زاد أحمد في " مسنده في الإسلام " ، وفي لفظ للنسائي { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الفرع والعتيرة } ، وفي " الصحيحين " قال : والفرع أول النتاج ، كان ينتج لهم ، فيذبحونه لطواغيتهم ، والعتيرة في رجب انتهى

وأسند أبو داود عن سعيد بن المسيب ، قال : الفرع أول النتاج كان ينتج لهم ، فيذبحونه انتهى

وقال الترمذي : والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يعظمونه ، ; لأنه أول الأشهر الحرم ، والفرع أول النتاج ، كان ينتج لهم ، فيذبحونه ، انتهى

وأخرج الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما في الأضحية " عن المسيب بن شريك عن عتبة بن اليقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { نسخت الزكاة كل صدقة ، ونسخ صوم رمضان كل صوم ، ونسخ غسل الجنابة كل غسل ، ونسخت الأضاحي كل ذبيح }" انتهى

وضعفاه ، قال الدارقطني : المسيب بن شريك ، وعتبة بن اليقظان متروكان ، [ ص: 77 ] انتهى

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في أواخر النكاح " موقوفا على علي .

التالي السابق


الخدمات العلمية