نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما والضمان عليهما ) وهذا استحسان وأصل هذا أن من ذبح أضحية غيره بغير إذنه لا يحل له ذلك وهو ضامن لقيمتها ، ولا يجزئه عن الأضحية في القياس وهو قول زفر رحمه الله ، وفي الاستحسان : يجوز ولا ضمان على الذابح وهو قولنا : وجه القياس : أنه ذبح شاة غيره بغير أمره فيضمن كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب ، وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها للأضحية حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر ، ويكره أن يبدل بها غيرها فصار المالك مستعينا بكل من يكون أهلا للذبح آذنا له دلالة ; لأنها تفوت بمضي هذه الأيام وعساه يعجز عن إقامتها بعوارض فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب [ ص: 97 ] رجلها .

فإن قيل : يفوته أمر مستحب ، وهو أن يذبحها بنفسه أو يشهد الذبح فلا يرضى به .

قلنا : يحصل له به مستحبان آخران : صيرورته مضحيا لما عينه ، وكونه معجلا به فيرتضيه . ولعلمائنا رحمهم اللهمن هذا الجنس مسائل استحسانية ، وهي : أن من طبخ لحم غيره أو طحن حنطته ، أو رفع جرته فانكسرت أو حمل على دابته فعطبت كل ذلك بغير أمر المالك يكون ضامنا ، ولو وضع المالك اللحم في القدر ، والقدر على الكانون ، والحطب تحته أو جعل الحنطة في الدورق ، وربط الدابة عليه أو رفع الجرة وأمالها إلى نفسه أو حمل على دابته ، فسقط في الطريق فأوقد هو النار فيه ، فطبخه أو ساق الدابة فطحنها أو أعانه على رفع الجرة فانكسرت فيما بينهما أو حمل على دابته ما سقط ، فعطبت لا يكون ضامنا في هذه الصور كلها استحسانا لوجود الإذن دلالة . إذا ثبت هذا فنقول : في مسألة الكتاب ذبح كل واحد منهما أضحية غيره بغير إذنه صريحا فهي خلافية زفر بعينها ويتأتى فيها القياس والاستحسان ، كما ذكرنا فيأخذ كل واحد منهما مسلوخة من صاحبه ولا يضمنه ; لأنه وكيله فيما فعل دلالة فإن كان قد أكلا ثم علما فليحلل كل واحد منهما صاحبه ويجزيهما ; لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز ، وإن كان غنيا فكذا له أن يحلله في الانتهاء ، وإن [ ص: 98 ] تشاحا فلكل واحد منهما أن يضمن لصاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة ; لأنها بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحيته ، وهذا ; لأن التضحية لما وقعت عن صاحبه كان اللحم له ومن أتلف لحم أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه

التالي السابق


الخدمات العلمية