نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( والنوم مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط ) لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى عن خروج شيء عادة ، والثابت عادة كالمتيقن به ، والاتكاء يزيل مسكة اليقظة لزوال المقعد عن الأرض ، ويبلغ الاسترخاء غايته بهذا النوع من الاستناد ، غير أن السند يمنعه من السقوط ، بخلاف النوم حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة وغيرها ، هو الصحيح ; لأن بعض الاستمساك باق ، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء ، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام : { لا وضوء على من نام قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا ، إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله }.

( والغلبة على العقل بالإغماء والجنون ) ; لأنه فوق النوم مضطجعا في [ ص: 103 ] الاسترخاء ، والإغماء حدث في الأحوال كلها ، وهو القياس في النوم ، إلا أنا عرفناه بالأثر ، والإغماء فوقه فلا يقاس عليه .


الحديث [ ص: 102 ] الحادي والعشرون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا وضوء على من نام قاعدا أو [ ص: 103 ] راكعا . أو ساجدا . إنما الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله } ، قلت : غريب بهذا اللفظ . وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي خالد يزيد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن { ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ، ثم قام يصلي ، فقلت : يا رسول الله إنك قد نمت ؟ قال : إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا ، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله }انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن أبي شيبة في " مصنفه " . والدارقطني في " سننه " وقال : تفرد به أبو خالد الدالاني عن قتادة ، ولا يصح ، ورواه البيهقي في " سننه " ولفظ فيه : { لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبيه ، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله } ، وقال : تفرد به يزيد بن عبد الرحمن الدالاني انتهى .

قال الترمذي : وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس ، قوله : ولم يذكر فيه أبا العالية ، ولم يرفعه انتهى .

وقال أبو داود وقوله : { إنما الوضوء على من نام مضطجعا }" منكر لم يروه إلا يزيد الدالاني عن قتادة ، وروى أوله جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئا من هذا ، وذكر ما يدل على أن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية ، مع أنه قال " في كتاب السنة " في حديث : { لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى }" إن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث ، وقال في موضع آخر : قال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث : حديث " يونس بن متى " .

وحديث ابن عمر في " الصلاة " وحديث { القضاة ثلاثة }وحديث ابن عباس { شهد عندي رجال مرضيون }" فتحرر من هذا كله أن الحديث منقطع . وقال ابن حبان : كان يزيد الدالاني كثير الخطأ فاحش الوهم لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات ، فكيف إذا تفرد عنهم بالمعضلات ؟ وقال أحمد ، والنسائي ، وابن معين ، لا بأس به .

وقال الترمذي في " العلل " : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : لا شيء ، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس ، قوله : ولم يذكر فيه أبا العالية ، ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعا من قتادة ، وأبو خالد صدوق لكنه يهم في الشيء انتهى . وكان هذا على مذهبه في اشتراطه في [ ص: 104 ] الاتصال السماع ، ولو مرة .

وقال ابن عدي : أبو خالد الدالاني لين الحديث ومع لينه أنه يكتب حديثه ، وقد تابعه على روايته مهدي بن هلال ، ثم أسند عن مهدي بن هلال ثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتى يضطجع جنبه إلى الأرض }" .

وأخرج ابن عدي أيضا ، ثم البيهقي من جهته عن بحر بن كنيز السقا عن ميمون الخياط عن أبي عياض عن { حذيفة بن اليمان ، قال : كنت في مسجد المدينة جالسا أخفق فاحتضني رجل من خلفي ، فالتفت فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هل وجب علي وضوء ؟ قال : لا ، حتى يضع جنبك }. قال البيهقي : تفرد به بحر بن كنيز السقا ، وهو ضعيف لا يحتج بروايته . انتهى .

واستدل من زعم أن قليل النوم وكثيره ناقض ، وعلى أي هيئة كانت بأحاديث : منها ما أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذة " بمعجمة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وكاء السه العينان ، فمن نام فليتوضأ }" وأعل بوجهين : أحدهما : أن بقية ، والوضين فيهما مقال ، قاله المنذري ، ونازعه ابن دقيق العيد فيهما قال : وبقية قد وثقه بعضهم ، وسأل أبو زرعة عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوضين بن عطاء ، فقال : ثقة ، وقال ابن عدي : ما أرى بأحاديثه بأسا .

والثاني : الانقطاع ، فذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة في " كتاب العلل " وفي " كتاب المراسيل " أن ابن عائذة عن علي مرسل . وزاد في " العلل " أنه سأل أباه ، وأبا زرعة عن هذا الحديث ، فقالا : ليس بقوي . وقال النووي في " الخلاصة " : إسناده حسن .

{ حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن بقية أيضا عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم : { العين وكاء السه ، فإذا نامت العين استطلق الوكاء } ، ورواه الطبراني في " معجمه " وزاد : { فمن نام فليتوضأ }. وأعل أيضا بوجهين :

أحدهما : الكلام في أبي بكر بن أبي مريم ، قال أبو حاتم : وأبو زرعة ليس بالقوي .

والثاني : أن مروان بن جناح رواه عن عطية بن قيس عن معاوية موقوفا ، هكذا رواه ابن عدي ، وقال : [ ص: 105 ] مروان أثبت من أبي بكر بن أبي مريم انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " كتاب العلل " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين }. انتهى .

وقال : الصحيح عن ابن عباس من قوله انتهى .

واستدل من زعم أن قليله وكثيره غير ناقض بما أخرجه البخاري . ومسلم في " الصحيحين " عن { ابن عباس ، قال : نمت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل إلى أن قال : فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم اضطجع فنام حتى نفخ فأتاه بلال فآذنه بالصلاة ، فقام فصلى ولم يتوضأ }.

الحديث بطوله ، ذكره البخاري في " الدعوات " ومسلم في " التهجد " فإن قيل : إن هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه كان محفوظا ، قلنا : فقد أخرج مسلم عن خالد بن الحارث عن شعبة عن قتادة عن أنس قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ، ثم يصلون ولا يتوضئون " . انتهى .

وحمل هذا على نوم الجالس ، ويؤيده لفظ أبي داود وفيه قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ، ولا يتوضئون " . قال النووي : إسناده صحيح ، وأخرجه البيهقي عن ابن المبارك عن معمر عن قتادة عن أنس ، قال : لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهما غطيطا ، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون ، انتهى .

قال ابن المبارك " يعني وهم جلوس " قال البيهقي . وعلى ذلك حمله الشافعي ; لأن اللفظ محتمل ، والحاجة إلى هذا التأويل هنا أشد لذكر الغطيط انتهى . إذ لا يخفق برأسه إلا من نام جالسا .

قال ابن القطان في " الوهم والإيهام " : وهذا يرده ما رواه البزار في " مسنده " من حديث عبد الأعلى عن شعبة عن قتادة عن أنس ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة ، فيضعون جنوبهم ، فمنهم من ينام ، ثم يقوم إلى الصلاة قال : وهذا كما ترى صحيح من رواية إمام عن شعبة .

وقال قاسم بن أصبغ : [ ص: 106 ] ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن يسار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة به ، قال : وهذا كما ترى صحيح من رواية إمام عن شعبة ، واستدل على أن النعاس غير ناقض بما في " الصحيحين " { عن ابن عباس أنه ذكر قيامه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، وفيه قال : فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني }الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية