نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( ويكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم إذا كان ذلك في بلد يضر الاحتكار بأهله ، وكذلك التلقي فأما إذا كان لا يضر فلا بأس به ) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام : " { الجالب مرزوق والمحتكر ملعون }" ولأنه تعلق به حق العامة ; وفي الامتناع عن البيع إبطال حقهم وتضييق الأمر عليهم فيكره إذا كان يضر بهم ذلك بأن كانت البلدة صغيرة بخلاف ما إذا لم [ ص: 162 ] يضر بأن كان المصر كبيرا ; لأنه حابس ملكه من غير إضرار بغيره وكذا التلقي على هذا التفصيل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن تلقي الجلب ، وعن تلقي الركبان }.

قالوا : هذا إذا لم يلبس المتلقي على التجار سعر البلدة فإن لبس فهو مكروه في الوجهين ; لأنه غادر بهم وتخصيص الاحتكار بالأقوات كالحنطة والشعير والتبن والقت قول أبي حنيفة رحمه الله ، وقال أبو يوسف رحمه الله : كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار ، وإن كان ذهبا أو فضة أو ثوبا .

وعن محمد رحمه الله أنه قال : لا احتكار في الثياب ، فأبو يوسف رحمه الله اعتبر حقيقة الضرر ; إذ هو المؤثر في الكراهة ، وأبو حنيفة رحمه الله اعتبر الضرر المعهود المتعارف ، ثم المدة إذا قصرت لا يكون احتكارا لعدم الضرر ، وإذا طالت يكون احتكارا مكروها لتحقق الضرر . [ ص: 163 ] ثم قيل : هي مقدرة بأربعين يوما لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " { من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه }" ، وقيل : بالشهر ; لأن ما دونه قليل عاجل ، والشهر وما فوقه كثير آجل ، وقد مر في غير موضع ، ويقع التفاوت في المأثم بين أن يتربص العزة وبين أن يتربص القحط ، والعياذ بالله ; وقيل : المدة للمعاقبة في الدنيا ، أما يأثم وإن قلت المدة . والحاصل أن التجارة في الطعام غير محمودة .


فصل في البيع

الحديث الحادي والثلاثون : قال : " { الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون }" ; [ ص: 160 - 161 ] قلت : أخرجه ابن ماجه في " التجارات " عن علي بن سالم بن ثوبان عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون }" انتهى . ورواه إسحاق بن راهويه ، والدارمي ، وعبد بن حميد ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، والبيهقي في " شعب الإيمان " في الباب السابع والسبعين ، ورواه العقيلي في " كتاب الضعفاء " ، وأعله بعلي بن سالم ، [ ص: 162 ] وقال : لا يتابعه عليه أحد بهذا اللفظ ، وقد روي بغير هذا السند والمتن عن معمر بن عبد الله العدوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحتكر إلا خاطئ }انتهى وحديث معمر هذا أخرجه مسلم في " صحيحه " باللفظ المذكور في " كتاب البيوع " ، وروى حديث عمر الحاكم في " المستدرك في البيوع " لم يذكر فيه " الجالب " عن علي بن سالم بن ثوبان به : { المحتكر ملعون }انتهى .

قال الذهبي في " مختصره " : علي بن سالم بن ثوبان ضعيف انتهى .

ووجدت الحديث المذكور عن عثمان بن عفان ، رواه إبراهيم الحربي في " كتاب غريب الحديث " حدثنا أبو خيثمة ثنا يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل عن علي بن سالم عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان ، مثله سواء ، ذكره في " باب جلب " فلينظر في ذلك ، وليحرر من نسخة أخرى ، فلعله غلط ، ولكني علقته لأتذكره .

الحديث الثاني والثلاثون : روي { أنه عليه السلام نهى عن تلقي الجلب ، وعن تلقي الركبان }; قلت : هما حديثان : فالأول : أخرجه مسلم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب }انتهى .

وفي لفظ : { قال : لا تلقوا الجلب ، فمن تلقاه فاشتراه ، فإذا أتى سيده السوق ، فهو بالخيار }انتهى . الثاني : [ ص: 163 ] أخرجه البخاري ، ومسلم عن طاوس عن ابن عباس ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتلقوا الركبان ، ولا يبيع حاضر لباد } ، انتهى .

الحديث الثالث والثلاثون : قال عليه السلام : " { من احتكر طعاما أربعين ليلة ، فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه }; قلت : رواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، والبزار ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، والحاكم في " المستدرك " ، والدارقطني في غرائب مالك " ، والطبراني في " معجمه الأوسط " ، وأبو نعيم في " الحلية " كلهم من حديث أصبغ بن زيد ثنا أبو بشر عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة الحضرمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من احتكر طعاما أربعين ليلة ، فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه ، وأيما أهل عرصة بات فيهم امرئ جائع ، فقد برئت منهم ذمة الله }انتهى . وكلهم رووه عن يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد به ، إلا الحاكم ، فإنه أخرجه عن عمرو بن الحصين عن [ ص: 164 ] أصبغ بن زيد ، وأصبغ بن زيد مختلف فيه ، فوثقه أحمد ، والنسائي ، وابن معين ، وضعفه ابن سعد ، وذكره ابن عدي في " الكامل " ، وساق له ثلاثة أحاديث : منها هذا الحديث ، وقال : ليست بمحفوظة ، قال : ولا أعلم روى عنه غير يزيد بن هارون ، قال الذهبي في " الميزان " : قلت : روى عنه عشرة أنفس ، وقال في " مختصر المستدرك " : عمرو بن الحصين تركوه ، وأصبغ بن زيد فيه لين ، انتهى .

وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل " : سألت أبي عن حديث رواه يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد به سندا ومتنا ، فقال أبي : هذا حديث منكر ، وأبو بشر لا أعرفه انتهى كلامه .

وفي الباب ما أخرجه مسلم عن سعيد بن المسيب عن معمر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " { من احتكر فهو خاطئ } ، قيل لسعيد : فإنك تحتكر ، قال سعيد : إن معمرا الذي كان يحدث بهذا الحديث ، كان يحتكر انتهى . ومعمر هذا هو معمر بن أبي معمر القرشي العدوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية