نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل في كري الأنهار

قال رضي الله عنه : ( الأنهار ثلاثة : نهر غير مملوك لأحد ) ، ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد كالفرات ونحوه ، ( ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة ) إلا أنه عام ، ( ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة ) وهو خاص والفاصل بينهما استحقاق الشفة به وعدمه . فالأول : كريه على السلطان من بيت مال المسلمين ; لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم ، ويصرف إليه من مؤنة الخراج والجزية دون العشور والصدقات ; لأن الثاني للفقراء والأول للنوائب ، فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء لمصلحة العامة ; إذ هم لا يقيمونها بأنفسهم ، وفي مثله قال عمر رضي الله عنه : لو تركتم لبعتم [ ص: 215 ] أولادكم إلا أنه يخرج له من كان يطيقه ، ويجعل مؤنته على المياسير الذين لا يطيقونه بأنفسهم .

وأما الثاني : فكريه على أهله لا على بيت المال ; لأن الحق لهم والمنفعة تعود إليهم على الخصوص والخلوص ، ومن أبى منهم يجبر على كريه دفعا للضرر العام ، وهو ضرر بقية الشركاء وضرر الآبي خاص ، ويقابله عوض فلا يعارض به ، ولو أرادوا أن يحصنوه خيفة الانبثاق ، وفيه ضرر عام كغرق الأراضي وفساد الطرف يجبر الآبي وإلا فلا ; لأنه موهوم بخلاف الكري ; لأنه معلوم .

وأما الثالث : وهو الخاص من كل وجه فكريه على أهله لما بينا ، ثم قيل : يجبر الآبي كما في الثاني ، وقيل : لا يجبر ; لأن كل واحد من الضررين خاص ، ويمكن دفعه عنهم بالرجوع على الآبي بما اتفقوا فيه إذا كان بأمر القاضي ، فاستوت الجهتان بخلاف ما تقدم ولا يجبر لحق الشفة كما إذا امتنعوا جميعا ومؤنة كري النهر المشترك عليهم من أعلاه ، فإذا جاوز أرض رجل رفع عنه ، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : هي عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأرضين ; لأن لصاحب الأعلى حقا في الأسفل لاحتياجه إلى تسييل ما فضل من الماء فيه ; وله : أن المقصد من الكري الانتفاع بالسقي ، وقد حصل لصاحب الأعلى ، فلا يلزمه إنفاع غيره وليس على صاحب المسيل عمارته ، كما إذا كان له مسيل على سطح غيره كيف وأنه يمكنه دفع الماء عن أرضه بسده من أعلاه إنما يرفع عنه إذا جاوز أرضه كما ذكرناه ، وقيل : إذا جاوز فوهة نهره ، وهو مروي عن محمد رحمه الله والأول أصح : لأن له رأيا في اتخاذ الفوهة من أعلاه وأسفله ، فإذا جاوز الكري أرضه حتى سقطت عنه مؤنته ، قيل : له أن يفتح الماء ليسقي أرضه لانتهاء الكري في حقه ، وقيل : ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه نفيا لاختصاصه وليس على أهل الشفة من الكري شيء ; لأنهم لا يحصون ولأنهم أتباع .


فصل في كري الأنهار

قوله : عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لو تركتم لبعتم أولادكم ; قلت : غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية