نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 219 ] كتاب الأشربة

سمي بها ، وهي جمع شراب لما فيه من بيان حكمها . قال : ( والأشربة المحرمة أربعة : الخمر وهي عصير العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد ، والعصير إذا طبخ حتى يذهب أقل ثلثيه ) وهو الطلاء المذكور في الجامع الصغير ( ونقيع التمر وهو السكر ، ونقع الزبيب إذا اشتد وغلى ) أما الخمر فالكلام فيها في عشرة مواضع .

أحدها : في بيان مائيتها وهي النيء من ماء العنب إذا صار مسكرا وهذا عندنا ، وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم .

وقال بعض الناس : هو اسم لكل مسكر لقوله عليه الصلاة والسلام : { كل مسكر خمر }" ` [ ص: 220 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : { الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرمة والنخلة } ، ولأنه مشتق من مخامرة العقل وهو موجود في كل مسكر ، ولنا : أنه اسم خاص بإطباق أهل اللغة فيما ذكرناه ، ولهذا اشتهر استعمال فيه ، وفي غيره ، ولأن حرمة الخمر قطعية وهي في غيرها ظنية ، وإنما سمي خمرا لتخمره ، لا لمخامرته العقل على أن ما ذكرتم لا ينافي كون الاسم خاصا فيه فإن النجم مشتق من النجوم وهو الظهور ، ثم هو اسم خاص للنجم المعروف ، لا لكل ما ظهر ، وهذا كثير النظير ; والحديث الأول طعن فيه يحيى بن معين رحمه الله


[ ص: 215 - 219 ] كتاب الأشربة الحديث الأول : { قال عليه السلام : كل مسكر خمر }" ; قلت : أخرجه مسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام }" ، انتهى .

وعند أحمد في " مسنده " : " { وكل خمر حرام }" . وكذلك ابن حبان في " صحيحه " في أول القسم الثاني ، وكذلك عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن أيوب السختياني به ، ومن طريقه رواه كذلك الدارقطني في " سننه " ، وهو عند مسلم أيضا ، لكنه على الظن ، ولفظه عن نافع عن ابن عمر ، قال : ولا أعلمه إلا { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام }" انتهى

قال المصنف : وهذا الحديث طعن فيه يحيى بن معين ، وذكر غيره من أصحابنا أن ابن [ ص: 220 ] معين طعن في ثلاثة أحاديث : منها هذا ، وحديث : { من مس ذكره ، فليتوضأ }; وحديث { لا نكاح إلا بولي } ، وهذا الكلام كله لم أجده في شيء من كتب الحديث ، والله أعلم .

الحديث الثاني : { قال عليه السلام : الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة ، والعنبة }" ; قلت . أخرجه الجماعة إلا البخاري عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة ، والعنبة }" انتهى وفي [ ص: 221 ] لفظ لمسلم : الكرمة والنخلة ، ووهم شيخنا علاء الدين ، فعزاه للبخاري أيضا ، وقلد غيره في ذلك ، فالمقلد ذهل ، والمقلد جهل ، والمصنف استدل بهذا الحديث ، والذي قبله للقائل بأن الخمر اسم لكل مسكر ، وفيه أحاديث أخرى ، ستأتي قريبا في " أحاديث تحريم الخمر " إن شاء الله تعالى .

فمنها حديث ابن عمر مرفوعا : { نزل تحريم الخمر ، وهي من خمسة : من العنب ، والتمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير }.

ومنها حديث أنس : { كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر ، وما شرابهم إلا الفضيخ : البسر ، والتمر } ، أخرجاه في " الصحيحين " ; ومنها قول عمر : الخمر ما خامر العقل ، رواه البخاري في " الصحيح " قال المصنف : وما ذكروه من أن الخمر اسم لكل ما خامر العقل ، فلا ينافي كون الاسم خاصا فيه ، فإن النجم مشتق من الظهور ، وهو خاص بالنجم المعروف ، انتهى كلامه .

ومعنى هذا الكلام أنه من باب الغلبة ، فهو وإن كان اسما لكل ما خامر العقل ، فقد غلب على التي من ماء العنب ، ويؤيد ما قاله المصنف ما أخرجه البخاري في " صحيحه " عن نافع عن ابن عمر ، قال : لقد حرمت الخمر ، وما بالمدينة منها شيء ، انتهى .

قال ابن الجوزي في " التحقيق " وقول ابن عمر : حرمت الخمر ، وما بالمدينة منها شيء يعني به ماء العنب فإنه مشهور باسم الخمر ، ولا يمنع هذا أن يسمى غيره خمرا انتهى

وهذه مصادمة ، ويؤيده أيضا ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن جعفر بن محمد عن بعض أهل بيته ، أنه سأل عائشة عن النبيذ ، فقالت : إن الله لم يحرم الخمر لاسمها ، وإنما حرمها لعاقبتها ، فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر ، فهو حرام ، كتحريم الخمر ، انتهى .

وفيه مجهول ; وأما ما أخرجه البخاري عن ابن عمر في " تفسير سورة المائدة " ، قال : نزل تحريم الخمر ، وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ، ما فيها شراب العنب ، فهو إخبار منه بعلمه ، يدل عليه ما أخرجه البخاري عن أنس ، قال : حرمت الخمر علينا حين حرمت ، [ ص: 222 ] وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا ، وعامة خمرنا البسر والتمر انتهى .

فهذا اللفظ يوضح أن المراد بالأول القلة لا العدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية