نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
والثالث : أن عينها حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه ، ومن الناس من أنكر حرمة عينها وقال : إن السكر منها حرام ; لأن به يحصل [ ص: 221 ] الفساد وهو الصد عن ذكر الله وهذا كفر ; لأنه جحود الكتاب فإنه تعالى سماه [ ص: 222 ] رجسا ، والرجس ما هو محرم العين ، وقد جاءت السنة متواترة أن النبي عليه الصلاة والسلام حرم الخمر وعليه انعقد الإجماع ولأن قليله يدعو إلى كثيره ، وهذا من خواص الخمر ولهذا [ ص: 223 ] تزداد لشاربه اللذة بالاستكثار منه بخلاف سائر المطعومات ، ثم هو غير معلول [ ص: 224 ] عندنا حتى لا يتعدى حكمه إلى سائر المسكرات [ ص: 225 ] والشافعي رحمه الله يعديه إليها ، وهذا بعيد ; لأنه خلاف السنة المشهورة وتعليله لتعدية الاسم ، والتعليل في الأحكام لا في الأسماء .


قوله : وقد جاءت السنة متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر ، وعليه انعقد إجماع الأمة ; قلت : الأحاديث في تحريم الخمر : منها ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن ثابت { عن أنس بن مالك ، قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة ، وما شرابهم إلا الفضيخ : البسر ، والتمر ، فإذا مناد ينادي ، فقال : اخرج ، فانظر ، فخرجت ، فإذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ، قال : فجرت في سكك المدينة ، فقال لي أبو طلحة : اخرج فأهرقها ، فخرجت فهرقتها } ، قال ابن عبد البر في " التقصي " : هذا لا خلاف في أنه مرفوع ، وكذلك كل ما كان مثله ، مما شوهد فيه نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم انتهى

وفي لفظ للبخاري : { فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت }ذكره في حديث آخر ، فأخرجه مسلم عن { عبد الرحمن بن وعلة ، قال : سألت ابن عباس عن بيع الخمر ، فقال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف ، أو من دوس ، فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا فلان أما علمت أن الله حرمها ؟ فأقبل الرجل على غلامه ، فقال : اذهب فبعها ، فقال عليه السلام : يا فلان بماذا أمرته ؟ قال : أمرته أن يبيعها ، فقال : إن الذي حرم شربها حرم بيعها ، فأمر بها فأفرغت في البطحاء } ، انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو بن العاص { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تعالى حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء }.

[ ص: 223 ] حديث آخر } : أخرجه أحمد أيضا عن ابن عمر ، قال : { أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية ، قال : فأتيته بها ، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة ، وفيها زقاق الخمر ، فشق ما كان من ذلك الزقاق بحضرته ، ثم أعطانيها ، وأمر أصحابه أن يمضوا معي ، ويعاونوني ، وأمرني أن آتي الأسواق كلها ، فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ، ففعلت ، فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته } ، ورواه البيهقي بقصة فيه ، وقال فيه : { ثم دعا بسكين ، فقال : اشحذوها ، ففعلوا ، ثم أخذها رسول الله فخرق بها الزقاق ، فقال الناس : في هذه الزقاق منفعة يا رسول الله قال : أجل ، ولكني إنما أفعل ذلك غضبا لله ، لما فيها من سخطه } ، وبقية السند حدثنا الحكم بن نافع ثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن ابن عمر ، فذكره .

{ حديث آخر } :

رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه " ذم المسكر " عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن الفضل بن سليمان النمري عن عمر بن سعيد عن الزهري حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال : سمعت عثمان بن عفان يقول : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد ، ويعتزل الناس ، فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها ، فقالت : إنا ندعوك لشهادة ، فدخل معها ، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونها ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة ، عندها غلام وباطية خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك لشهادة ، ولكن دعوتك لتقع علي ، أو تقتل هذا الغلام ، أو تشرب هذا الخمر . فسقته كأسا ، فقال : زيدوني ، فلم يبرح حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر ، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه }" انتهى

وهذا الحديث رواه البيهقي في " سننه " موقوفا على عثمان ، وهو أصح

{ حديث آخر } : أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن جابر بن عبد الله ، قال : { كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة ، فيبيعها من المسلمين ، فحمل منها بمال ، فقدم المدينة ، فلقيه رجل من المسلمين ، فقال : يا فلان إن الخمر قد حرمت ، فوضعها حيث انتهى على تل ، وسجاها بأكسية ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول [ ص: 224 ] الله بلغني أن الخمر قد حرمت ، قال : أجل ، قال : هل لي أن أردها على من ابتعتها منه ؟ قال : لا ، قال : أفأهديها إلى من يكافئني منها ؟ قال : لا ، قال : فإن فيها مالا ليتامى في حجري ، قال : إذا أتانا مال البحرين فأتنا ، نعوض أيتامك من مالهم ، ثم نادى بالمدينة ، فقال رجل : يا رسول الله الأوعية ينتفع بها ؟ قال : فحلوا أوكيتها ، فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي }انتهى .

وبقية السند : حدثنا جعفر بن حميد الكوفي ثنا يعقوب العمي عن عيسى بن جارية عن جابر ، فذكره .

{ حديث آخر } :

حديث : لعن في الخمر عشرة ، تقدم في " الكراهية " بجميع طرقه .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدمن خمر كعابد وثن }" انتهى .

وفي " صحيح ابن حبان " عن ابن عباس نحوه ، وأخرجه البزار في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : { شارب الخمر كعابد الوثن }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه عن أبي الدرداء ، قال : { أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم لا تشرب الخمر ، فإنها مفتاح كل شر } ، انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه ابن ماجه أيضا عن خباب بن الأرت قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والخمر ، فإن خطيئتها تفرع الخطايا ، كما أن شجرتها تفرع الشجر }انتهى .

{ حديث آخر } :

أخرجه الترمذي عن ابن عمر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن [ ص: 225 ] تاب لم يتب الله عليه ، وسقاه من نهر الخبال . قيل : يا أبا عبد الرحمن ، وما نهر الخبال ؟ قال : نهر من صديد أهل النار }انتهى

وقال : حديث حسن ، وعند أبي داود نحوه عن ابن عباس ، وعند ابن ماجه نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعند أحمد نحوه عن أسماء بنت يزيد . قوله : والشافعي يعديه إليها ، وهو بعيد ; لأنه خلاف السنة المشهورة ; قلت : كأنه يشير إلى حديث : حرمت الخمر لعينها ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية