نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
وأما العصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو المطبوخ أدني طبخة ، ويسمى الباذق والمنصف وهو ما ذهب نصفه بالطبخ ، فكل ذلك حرام عندنا إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو إذا اشتد على الاختلاف . وقال الأوزاعي : إنه مباح وهو قول بعض المعتزلة ; لأنه مشروب طيب وليس بخمر .

ولنا أنه رقيق ملذ مطرب ، ولهذا يجتمع عليه الفساق فيحرم شربه دفعا للفساد المتعلق به . وأما نقيع التمر وهو المسكر وهو النيء من ماء التمر أي الرطب فهو حرام مكروه . وقال شريك بن عبد الله : إنه مباح لقوله تعالى: { تتخذون منه [ ص: 227 ] سكرا ورزقا حسنا }امتن علينا به وهو بالمحرم لا يتحقق . ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ويدل عليه ما رويناه من قبل ، والآية محمولة على الابتداء إذا كانت الأشربة مباحة كلها ، وقيل : أراد به التوبيخ معناه والله أعلم : تتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا . وأما نقيع الزبيب : وهو النيء من ماء الزبيب فهو حرام إذا اشتد وغلى ويتأتى فيه خلاف الأوزاعي ; وقد بينا المعنى من قبل إلا أن حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر التي لا يكفر مستحلها ويكفر مستحل الخمر ; لأن حرمتها اجتهادية ، وحرمة الخمر قطعية ، ولا يجب الحد بشربها حتى يسكر ، ويجب بشرب قطرة من الخمر ونجاستها خفيفة في رواية وغليظة في أخرى ونجاسة الخمر غليظة رواية واحدة ، ويجوز بيعها ويضمن متلفها عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما فيهما ; لأنه مال متقوم وما شهدت دلالة قطعية بسقوط تقومها ; بخلاف الخمر غير أن عنده يجب قيمتها لا مثلها على ما عرف ، ولا ينتفع بها بوجه من الوجوه ; لأنها محرمة وعن أبي يوسف رحمه الله [ ص: 228 ] أنه يجوز بيعها إذا كان الذاهب بالطبخ أكثر من النصف دون الثلثين .


قوله : ولنا إجماع الصحابة يعني على تحريم السكر وهو النيء من ماء التمر ; قلت : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن منصور عن أبي وائل ، قال : اشتكى رجل منا بطنه ، فنعت له السكر ، فقال عبد الله بن مسعود : إن الله لم يكن ليجعل شفاءكم فيما حرم عليكم انتهى . أخبرنا معمر عن منصور ، وزاد : قال معمر : [ ص: 227 ] والسكر يكون من التمر انتهى

ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " بالسند الأول .

، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور به حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : السكر خمر حدثنا حفص بن غياث عن ليث عن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه سئل عن السكر ، فقال : الخمر انتهى .

وفي " سنن الدارقطني " عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : كان عبد الله يحلف بالله أن التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكسر دنانه ، حين حرمت الخمر ، لمن التمر والزبيب ، انتهى .

قوله : وعن ابن عباس : ما كان من الأشربة ينقى بعد عشرة أيام ولا يفسد ، فهو حرام ; قلت : غريب ; وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع عن علي بن مالك عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : النبيذ الذي بلغ فسد ، وأما ما ازداد على طول الترك جودة ، فلا خير فيه انتهى

وأخرج نحوه عن عمر بن عبد العزيز . قوله روي عن ابن زياد ، قال : سقاني ابن عمر شربة ما كدت أهتدي إلى أهلي ، فغدوت إليه من الغد ، فأخبرته بذلك ، فقال : ما زدناك على عجوة وزبيب ; قلت : رواه [ ص: 228 ] محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن سليمان الشيباني عن ابن زياد أنه أفطر عند عبد الله بن عمر ، فسقاه شرابا ، فكأنه أخذ منه ، فلما أصبح غدا إليه ، فقال له : ما هذا الشراب ؟ ما كدت أهتدي إلى منزلي ، فقال ابن عمر : ما زدناك على عجوة وزبيب انتهى

قوله : وروي عن ابن عمر حرمة نقيع الزبيب ، وهو النيء منه ; قلت : غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية