نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 247 - 248 ] قال : ( وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات ، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته ) وهو مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب ، وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوفه عادة ، والبازي متوحش متنفر فكانت الإجابة آية [ ص: 249 ] تعليمه ، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه ، وهو الأكل والاستلاب ; ثم شرط ترك الأكل ثلاثا ، وهذا عندهما ، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ; لأن فيما دونه مزيد الاحتمال فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا ، فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له ، وهذا ; لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار وإبلاء الأعذار كما في مدة الخيار ، وفي بعض قصص الأخيار ، ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم دون القليل ، والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها ، وعند أبي حنيفة رحمه الله : على ما ذكر في الأصل لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ، ولا يقدر بالثلاث ; لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا ولا سمع فيفوض إلى رأي المبتلى به كما هو أصله في جنسها ، وعلى الرواية الأولى عنده : يحل ما اصطاده ثالثا ، وعندهما : لا يحل ; لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث ، وقبل التعليم غير معلم فكان الثالث صيد كلب جاهل ، وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى ، وله : أنه آية تعليمه عنده فكان هذا صيد جارحة معلمة بخلاف تلك المسألة ; لأن الإذن إعلام ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة .


قوله : وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات ، وتعليم البازي أن يرجع ، [ ص: 249 - 252 ] ويجيب إذا دعوته ، وهو مأثور عن ابن عباس ; قلت : غريب ; وفي البخاري : وقال [ ص: 253 - 254 ] ابن عباس : إن أكل الكلب فقد أفسده ، إنما أمسك على نفسه ، والله تعالى يقول : [ ص: 255 ] { تعلمونهن مما علمكم الله }فيضرب ويعلم ، حتى يترك انتهى .

وروى ابن جرير الطبري في " تفسيره في سورة المائدة " حدثنا أبو كريب ثنا أسباط بن محمد ثنا أبو إسحاق الشيباني عن حماد عن إبراهيم عن ابن عباس أنه قال في الطير : إذا أرسلته ، فقتل ، فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد ، فإن تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه ، وليس يضرب ، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش ، فكل انتهى .

قوله : ولأنه اجتمع المبيح والمحرم ، فتغلب جهة الحرمة نصا ، أو احتياطا ; قلت : كأنه يشير إلى حديث : { ما اجتمع الحلال والحرام ، إلا وغلب الحرام الحلال } ، وهذا الحديث وجدته موقوفا على ابن مسعود ، أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه في الطلاق " حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي ، قال : قال عبد الله ما اجتمع حلال وحرام ، إلا غلب الحرام الحلال ، قال سفيان : وذلك في الرجل يفجر بامرأة ، وعنده ابنتها أو أمها ، فإنه يفارقها انتهى

قال البيهقي في " سننه " : رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود ، وجابر ضعيف ، والشعبي عن ابن مسعود منقطع انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية