نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 257 ] قال : ( وإذ وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لم يؤكل ) لما روي { عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي وقال : لعل هوام الأرض قتلته }" ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله ; لأن الموهوم في هذا كالمتحقق لما روينا ، إلا أنا أسقطنا اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعرى الاصطياد عنه ، ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار يكون بسبب عمله ، والذي رويناه حجة على مالك رحمه الله في قوله : إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل فإذا بات ليلة لم يحل ( ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه لا يحل ) ; لأنه موهوم يمكن الاحتراز عنه فاعتبر محرما ، بخلاف وهم الهوام والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه .


[ ص: 256 - 257 ] الحديث الثاني : روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي ، وقال : لعل هوام الأرض قتلته }; قلت : روي مسندا ومرسلا .

فالمسند : عن أبي رزين ; وعن عائشة . فحديث أبي رزين : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن نمير ، ويحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن أبي رزين عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصيد يتوارى عن صاحبه قال : لعل هوام الأرض قتلته }انتهى

وكذلك رواه الطبراني في " معجمه " ; ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا جرير بن عبد الحميد عن موسى بن أبي عائشة عن أبي رزين ، فذكره ; ورواه كذلك أبو داود في " مراسيله " ، ومن جهة أبي داود ذكره عبد الحق في " أحكامه " ، وأعله بالإرسال ، وأقره ابن القطان عليه . وحديث عائشة :

رواه عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي عن عائشة { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بظبي قد أصابه بالأمس ، وهو ميت ، فقال : يا رسول الله عرفت فيه سهمي ، وقد رميته بالأمس ، فقال : لو أعلم أن سهمك قتله أكلته ، ولكن لا أدري ، وهوام الأرض كثيرة }انتهى

وابن أبي المخارق واه . وأما المرسل :

فرواه أبو داود في " مراسيله " عن عطاء بن السائب عن الشعبي { أن أعرابيا أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ظبيا ، فقال : من أين أصبت هذا ؟ قال : رميته ، فطلبته ، فأعجزني حتى أدركني المساء ، فرجعت ، فلما أصبحت اتبعت أثره ، فوجدته في غار ، [ ص: 258 ] وهذا مشقصي فيه أعرفه ، قال : بات عنك ليلة ، فلا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه ، لا حاجة لي فيه }انتهى .

{ حديث آخر } :

رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم ، قال : { أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله رميت صيدا ، فتغيب عني ليلة ، فقال عليه السلام : إن هوام الأرض كثيرة }انتهى . أحاديث الخصوم :

أخرج مسلم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني { عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث قال : كله ما لم ينتن }انتهى .

زاد في لفظ آخر : وقال في الكلب أيضا : كله بعد ثلاث ، إلا أن ينتن ، فدعه انتهى

{ حديث آخر } :

أخرجه البخاري ، ومسلم عن عدي بن حاتم ، وفيه : { وإن رميت بسهمك ، فاذكر اسم الله ، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك ، فكل إن شئت } ، وقال البخاري : وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ، وعند البخاري عن عدي أيضا أنه قال { للنبي صلى الله عليه وسلم : يرمي الصيد ، فيقتفي أثره اليومين ، أو الثلاثة ، ثم يجده ميتا ، وفيه سهمه ، قال : يأكل إن شاء } ، ولم يصل سنده بهذا .

{ حديث آخر } : أخرجه النسائي ، والترمذي عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم ، قال : { قلت يا رسول الله إنا أهل صيد ، وإن أحدنا يرمي الصيد ، فيغيب عنه الليلة والليلتين ، فيتبع الأثر ، فيجده ميتا ، قال : إذا وجدت السهم فيه ، ولم تجد فيه أثر غيره ، وعلمت أن سهمك قتله ، فكله }انتهى

قال الترمذي : حديث حسن صحيح انتهى .

وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن عاصم الأحول عن الشعبي { عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرمي بسهمي ، فأصيب ، فلا أقدر عليها إلا بعد يوم أو يومين ، فقال : إذا قدرت عليه ، وليس فيه أثر ولا خدش إلا رميتك ، فكل ، وإن وجدت فيه أثر غير رميتك ، فلا تأكله ، فإنك لا تدري أنت قتلته أم غيرك }انتهى .

قال في " التنقيح " : وإسناده صحيح ، وبه قال أحمد ، يباح أكله إذا غاب [ ص: 259 ] مطلقا ، وقال مالك : ما لم يبت ، فإذا بات لا يحل ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية