نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 320 - 323 ] قال : ( وشبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح ) وقال أبو يوسف ومحمد ، وهو قول الشافعي رحمهم اللهإذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد ، وشبه العمد : أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا ، لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره كالتأديب ونحوه فكان شبه العمد ، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف فكان عمدا موجبا للقود ، وله قوله عليه الصلاة والسلام : { ألا إن قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل }ولأن الآلة غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه ، إذ لا يمكن استعمالها على غرة من المقصود قتله ، وبه يحصل القتل غالبا ، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة . [ ص: 324 - 327 ] قال : ( وموجب ذلك على القولين الإثم ) لأنه قتل ، وهو قاصد في الضرب ( والكفارة ) لشبهه بالخطإ ( والدية مغلظة على العاقلة ) والأصل : أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطإ ، وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتجب مغلظة ، وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى ( ويتعلق به حرمان الميراث ) لأنه جزاء القتل ، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص دون حرمان الميراث ومالك رحمه الله وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه .


الحديث الثالث : قال عليه السلام : { ألا إن قتيل خطإ العمد : قتيل السوط ، والعصا ، وفيه مائة من الإبل }; قلت : روي من حديث عبد الله بن عمرو ; ومن حديث ابن عمر ; ومن حديث ابن عباس . فحديث عبد الله بن عمرو :

أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ألا إن دية الخطإ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل : منها أربعون في بطونها أولادها } ، انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والأربعين ، من القسم الثالث ، قال في " التنقيح " : وعقبة بن أوس وثقه ابن سعد ، والعجلي ، وابن حبان ; وقد روى عنه محمد بن سيرين مع جلالته ، والقاسم [ ص: 324 ] وداود ، وثقه أبو داود ، وابن المديني ، وابن حبان انتهى .

وأخرجه النسائي أيضا عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخرجه أيضا عن خالد عن القاسم عن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وأخرجه الدارقطني في " سننه في الحدود " عن أيوب السختياني عن القاسم بن ربيع عن عبد الله بن عمرو ، مرفوعا نحوه لم يذكر فيه عقبة بن أوس ، قال ابن القطان في " كتابه " : هو حديث صحيح من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص ، ولا يضره الاختلاف الذي وقع فيه ، وعقبة بن أوس بصري تابعي ثقة انتهى .

وأما حديث ابن عمر :

فأخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة ، فكبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية من دم أو مال تحت قدمي ، إلا ما كان من سقاية الحاج ، وسدانة البيت ، ثم قال : ألا إن دية الخطإ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا ، مائة من الإبل : منها أربعون في بطونها أولادها }انتهى .

ورواه أحمد ، والشافعي ، وإسحاق بن راهويه في " مسانيدهم " ، ورواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في " مصنفيهما " ، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " قال ابن القطان في " كتابه " : وهو حديث لا يصح ، لضعف علي بن زيد انتهى . وأما حديث ابن عباس :

فرواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا عيسى بن يونس ثنا إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { شبه العمد قتيل الحجر والعصا ، فيه الدية مغلظة من أسنان الإبل } ، مختصر ، وقد تقدم قريبا . [ ص: 325 ] وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :

فأخرجه أبو داود عن محمد بن راشد ثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عقل شبه العمد مغلظ ، مثل عقل العمد ، ولا يقتل صاحبه ، وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس ، فتكون دماء في عميا في غير ضغينة ولا سلاح }انتهى .

قال في " التنقيح " : محمد بن راشد يعرف بالمكحول ، وثقه أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، وغيرهم ، وقال ابن عدي : إذا حدث عنه ثقة فحديثه مستقيم انتهى . وهذا داخل في الأول .

{ حديث آخر } مرسل :

رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في الديات " حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قتيل السوط والعصا شبه عمد ، فيه مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها } ، انتهى . الآثار :

أخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن علي موقوفا ، قال : قتيل السوط والعصا شبه عمد ، وأخرج عن الشعبي ، والحكم ، وحماد قالوا ما أصبت به من حجر ، أو سوط ، أو عصا فأتى على النفس ، فهو شبه العمد ، وفيه الدية مغلظة ; وأخرج عن إبراهيم النخعي ، قال : شبه العمد كل شيء تعمد به بغير حديد ، ولا يكون شبه العمد إلا في النفس ، ولا يكون دون النفس ، انتهى .

ومن أحاديث الباب

أعني القتل بالمثقل : ما أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قتل في عميا أو رميا بحجر ، أو سوط ، أو عصا ، فعليه عقل الخطإ }انتهى . قال في " التنقيح " : إسناده جيد ، لكنه روي مرسلا .

وحديث النعمان بن بشير : { كل شيء خطأ ، إلا السيف ، وفي كل خطأ أرش } ، [ ص: 326 ] رواه بهذا اللفظ أحمد في " مسنده " فقال حدثنا وكيع ثنا سفيان عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره : ورواه أيضا من حديث ورقاء عن جابر عن مسلم بن أراك عن النعمان بن بشير ، مرفوعا : { كل شيء خطأ إلا ما كان بحديدة ، ولكل خطإ أرش }انتهى .

ومسلم بن أراك هو أبو عازب قال في " التنقيح " : وقال أبو حاتم : اسمه مسلم بن عمرو ، قال : وعلى كل حال فأبو عازب ليس بمعروف انتهى .

قال البيهقي في " المعرفة " والحديث مداره على جابر الجعفي ، وقيس بن الربيع ، وهما غير محتج بهما انتهى . أحاديث الخصوم :

واحتج القائلون بوجوب القتل بالمثقل بحديث أنس { أن يهوديا رضخ رأس امرأة بين حجرين فقتلها ، فرضخ عليه السلام رأسه بين حجرين } ، رواه البخاري ، ومسلم .

{ حديث آخر } :

أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن ابن جريج ثنا عمرو بن دينار أنه سمع طاوسا يخبر عن ابن عباس { عن عمر أنه نشد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين ، فجاء حمل بن مالك بن النابغة ، فقال : كنت بين امرأتين ، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة ، وأن تقتل بها }انتهى .

ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " المستدرك في كتاب الفضائل " قال البيهقي في " المعرفة " : وقد رواه عبد الرزاق ، ومحمد بن بكر عن ابن جريج ، وذكرا في الحديث { أن عمرو بن دينار شك في قتل المرأة بالمرأة ، فأخبره ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بديتها ، وبغرة في جنينها }انتهى .

{ حديث آخر } :

رواه البيهقي من طريق مسدد ثنا محمد بن جابر عن زياد بن علاقة [ ص: 327 ] بن مرداس { أن رجلا رمى رجلا بحجر فقتله ، فأقاده النبي صلى الله عليه وسلم منه }انتهى . قوله : وتجب الدية في ثلاث سنين ، لقضية عمر ; قلت : روى ابن أبي شيبة في [ ص: 328 ] مصنفه " حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن الشعبي .

وعن الحكم عن إبراهيم ، قالا : أول من فرض العطاء عمر بن الخطاب ، وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين ، ثلثا الدية في سنتين ، والنصف في سنتين ، والثلث في سنة ، وما دون ذلك في عامه انتهى .

وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرت عن أبي وائل أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين وجعل نصف الدية في سنتين ، وما دون النصف في سنة ، أخبرنا الثوري عن أشعث عن الشعبي أن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين ، والنصف والثلثين في سنتين ، والثلث في سنة ، وما دون الثلث فهو في عامه انتهى .

أخبرنا الثوري عن أيوب بن موسى عن مكحول أن عمر بن الخطاب قال : الدية اثنا عشر ألفا على أهل الدراهم ، وعلى أهل الدنانير ألف دينار ، وعلى أهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل البقر مائتا بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفا شاة ، وعلى أهل الحلل مائتا حلة ، وقضى بالدية في ثلاث سنين ، في كل سنة ثلث على أهل الديوان في عطياتهم ، وقضى بالثلثين في سنتين ، وثلث في سنة ، وما كان أقل من الثلث فهو في عامه ذلك انتهى .

وقال الترمذي في " كتابه " : وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين ، في كل سنة ثلث الدية انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية