نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف ) وقال الشافعي رحمه الله : يفعل به مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا فإن مات وإلا تحز رقبته لأن مبنى القصاص على المساواة . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { لا قود إلا بالسيف }والمراد به السلاح ، ولأن فيما ذهب إليه استيفاء الزيادة لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز فيجب التحرز عنه كما في كسر العظم .


الحديث الرابع : قال عليه السلام : { لا قود إلا بالسيف }; قلت : روي من حديث أبي بكرة ; ومن حديث النعمان بن بشير ; ومن حديث ابن مسعود ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث علي . [ ص: 339 ]

فحديث أبي بكرة : أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن الحر بن مالك عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا قود إلا بالسيف }انتهى . ورواه البزار في " مسنده " ، وقال : لا نعلم أحدا أسنده بأحسن من هذا الإسناد ، ولا نعلم أحدا قال : عن أبي بكرة إلا الحر بن مالك ، وكان لا بأس به ، وأحسبه أخطأ في هذا الحديث ، لأن الناس يروونه عن الحسن مرسلا ، انتهى .

قلت : بل تابعه الوليد بن صالح ، كما أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " فأخرجاه عن الوليد بن محمد بن صالح الأيلي عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا ; ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بالوليد ، وقال : أحاديثه غير محفوظة انتهى . قال البيهقي : ومبارك بن فضالة لا يحتج به انتهى .

قلت : أخرج له ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " المستدرك " ، ووثقه ، والمرسل الذي أشار إليه البزار رواه أحمد في " مسنده " حدثنا هشيم ثنا أشعث بن عبد الملك عن الحسن ، مرفوعا : { لا قود إلا بحديدة }انتهى .

وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عيسى بن يونس عن أشعث ، وعمرو عن الحسن مرفوعا نحوه .

وأما حديث النعمان : فأخرجه ابن ماجه أيضا عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا قود إلا بالسيف }انتهى .

ورواه البزار في " مسنده " ، ولفظه ، قال : { القود بالسيف ، ولكل خطأ أرش } ، وقال : لا نعلم من رواه عن النعمان إلا أبا عازب ، ولا عن أبي عازب إلا جابرا الجعفي انتهى .

وقال عبد الحق في " أحكامه " : وأبو عازب مسلم بن عمرو لا أعلم من روى عنه إلا جابرا [ ص: 340 ] الجعفي انتهى قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وجابر الجعفي اتفقوا على ضعفه ، قال في " التنقيح " : وقال في موضع آخر : وجابر الجعفي فقد وثقه الثوري ، وشعبة ، وناهيك بهما ، فكيف يقول هذا ، ثم يحكي الاتفاق على ضعفه ؟ هذا تناقض بين ، قال : وأبو عازب اسمه مسلم بن عمرو ، وقاله أبو حاتم ، وغيره ، وهو غير معروف ، وقال غيرهم : اسمه مسلم بن أراك ، كما تقدم تسميته ، عند الدارقطني في حديث القتل بالمثقل ، قال البيهقي في " المعرفة " : وطرق هذا الحديث كلها ضعيفة ، وبهذا الإسناد رواه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " بلفظ : { كل شيء خطأ إلا السيف }; ورواه الطبراني في " معجمه " بلفظ : { كل شيء خطأ إلا السيف ، والحديدة } ، وفي لفظ له : قال : { لا عمد إلا بالسيف } ، وسيأتي ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن النعمان بن بشير .

وأما حديث ابن مسعود : فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن السميدع الأنطاكي ثنا موسى بن أيوب النصيبي ثنا بقية بن الوليد عن أبي معاذ عن عبد الكريم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ، مرفوعا نحوه سواء ، وكذلك أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن إبراهيم ، ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بعبد الكريم ، وضعفه عن جماعة .

وأما حديث أبي هريرة : فأخرجه الدارقطني في " سننه في الحدود " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه سواء ، قال الدارقطني : وسليمان بن أرقم متروك انتهى .

ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بسليمان بن أرقم ، وأسند عن البخاري ، وأبي داود ، والنسائي ، وأحمد ، وابن معين ، قالوا : هو متروك .

وأما حديث علي : فأخرجه الدارقطني أيضا عن معلى بن هلال عن أبي إسحاق [ ص: 341 ] عن عاصم بن ضمرة عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة }انتهى .

قال الدارقطني : ومعلى بن هلال متروك انتهى . أحاديث الخصوم :

وللشافعي في المماثلة بالقصاص أحاديث : منها حديث أنس : { إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء } ، أخرجه مسلم .

وبحديث اليهودي ، أخرجه البخاري ، ومسلم { عن أنس أيضا أن جارية من الأنصار ، قتلها رجل من اليهود ، على حلي لها ، رض رأسها بين حجرين ، فسألوها من صنع بك هذا ؟ فلان ؟ فلان ؟ حتى ذكروا لها يهوديا ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي ، فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة }انتهى .

ذكره البخاري في " باب الإشارة في الطلاق " هكذا ، وفيه أنه أقر ، قال البيهقي في المعرفة " : ولا يعارض هذا بحديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أن يرجم ، فرجم حتى مات } ، رواه البخاري ، ومسلم أيضا ، لأن الرجم ، والرض ، والرضخ كله عبارة عن الضرب بالحجارة ، قال : ولا يجوز فيه أيضا دعوى النسخ ، لحديث النهي عن المثلة ، إذ ليس فيه تاريخ ، ولا سبب يدل على النسخ ، قال : ويمكن الجمع بينهما بأنه إنما نهى عن المثلة بمن وجب عليه القتل ابتداء ، لا على طريق المكافأة انتهى .

قال السهيلي في " الروض الأنف " : واستدل الشافعي أيضا بقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ، وبقوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية