نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( وإذا التقى الصفان من المسلمين والمشركين فقتل مسلم مسلما ظن أنه مشرك فلا قود عليه وعليه الكفارة ) لأن هذا أحد نوعي الخطإ على ما بيناه والخطأ بنوعيه لا يوجب القود ويوجب الكفارة وكذا الدية على ما نطق به نص الكتاب ، { ولما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة رضي الله عنه قضى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالدية . } [ ص: 346 - 348 ] قالوا : إنما تجب الدية إذا كانوا مختلطين فإن كان في صف المشركين لا تجب لسقوط عصمته بتكثير سوادهم . قال عليه الصلاة والسلام : { من كثر سواد قوم فهو منهم }.


الحديث الثامن :

روي أنه { لما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة ، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية }; قلت : روي مرسلا عن عروة .

وعن الزهري ، ومسندا عن محمود بن لبيد ، ورافع بن خديج ، وحديثه عند الواقدي في " كتاب المغازي في غزوة أحد " حدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحكم ، قال : قال رافع بن خديج : لما انصرف الرماة يوم أحد ، فذكره بطوله ، وفي آخره : { وكان اليمان حسيل بن جابر ، ورفاعة بن وقش شيخين كبيرين قد رفعا في الآطام مع النساء ، فقال أحدهما للآخر : ما نستبقي من أنفسنا ، وما الذي بقي من أجلنا ، فلو لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة ، ففعلا ، فأما رفاعة ، فقتله المشركون ، وأما اليمان فاختلفت عليه سيوف المسلمين ، وحذيفة يقول : أبي أبي ، وهم لا يعرفونه ، حتى قتلوه ، فقال حذيفة : يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته [ ص: 346 ] أن تخرج ، فتصدق حذيفة بدمه على المسلمين ، فزاده ذلك خيرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، ويقال : إن الذي أصابه يومئذ عتبة بن مسعود ، مختصر ، فمرسل عروة رواه الشافعي في " مسنده " أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري عن عروة ، قال : { كان أبو حذيفة شيخا كبيرا ، فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد ، فخرج يتعرض للشهادة ، فجاء من ناحية المشركين ، فابتدره المسلمون ، فرشقوه بأسيافهم ، وحذيفة يقول : أبي أبي ، فلا يسمعونه من شغل الحرب ، حتى قتلوه ، فقال حذيفة : يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين ، قال : ووداه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزادت حذيفة عنده خيرا } ، ومن طريق الشافعي ، رواه البيهقي في " المعرفة " قال البيهقي : وقد رواه موسى بن عقبة عن الزهري ، فقال فيه : ووداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه محمود بن لبيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يديه ، فتصدق به حذيفة على المسلمين }انتهى .

ورواه ابن سعد في " الطبقات في ترجمة حذيفة " أخبرنا الواقدي ثنا يونس عن الزهري عن عروة ، قال : { لما اختلط الناس يوم أحد ، وجالوا تلك الجولة ، اختلفت سيوف المسلمين على حسيل أبي حذيفة ، وهم لا يعرفونه ، فضربوه بسيوفهم ، وابنه حذيفة يقول : أبي أبي ، فلم يفهموا حتى قتلوه ، وهم لا يعرفونه ، فقال حذيفة : يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته أن تخرج ، فتصدق حذيفة بها على المسلمين ، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا }.

قال الواقدي : ويقال : إن الذي أصابه يومئذ عتبة بن مسعود انتهى .

وأما مرسل الزهري : فرواه البيهقي في " دلائل النبوة في باب المغازي " حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل ثنا جدي ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب عن الزهري ، فذكر قصة أحد بطولها ، وقال في آخرها : ثم سمى موسى بن عقبة من قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وذكر فيهم اليمان أبا حذيفة ، واسمه حسيل بن جبير ، حليف لهم من بني عبس ، أصابه المسلمون ، زعموا في المعركة ، لا يدرون من أصابه ، فتصدق حذيفة بدمه على من أصابه ، قال موسى بن عقبة : قال ابن شهاب : قال عروة بن الزبير : { أخطأ به المسلمون يومئذ فرشقوه بأسيافهم ، يحسبونه من العدو ، وإن حذيفة ليقول : أبي أبي ، فلم يفقهوا قوله ، حتى فرغوا منه ، فقال حذيفة : يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين . قال : ووداه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزادت حذيفة عنده خيرا } ، مختصرا . ورواه عبد الرزاق [ ص: 347 ] في " مصنفه في أواخر القصاص " أخبرنا معمر عن الزهري ، قال : { أحاط المسلمون يوم أحد باليمان أبي حذيفة فجعلوا يضربونه بأسيافهم وحذيفة يقول : أبي أبي ، فلم يفهموه حتى قتلوه ، فقال حذيفة : يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين ، قال : فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فزاده عنده خيرا ، ووداه رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

وأما حديث محمود بن لبيد : فرواه الحاكم في " المستدرك في الفضائل " ، وأحمد ، وابن راهويه في " مسنديهما " كلهم من حديث محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد ، قال : { لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر ، وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان ، وثابت بن قيس في الآطام مع النساء ، والصبيان . فقال أحدهما لصاحبه ، وهما شيخان كبيران : لا أبا لك ما تنتظر ، فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظمأ حمار ، أفلا نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لعل الله يرزقنا منه الشهادة ، فأخذا أسيافهما ، ثم خرجا حتى دخلا في الناس ، ولم يعلم بهما ، فأما ثابت بن قيس ، فقتله المشركون ، وأما اليمان فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه . وهم لا يعرفونه ، فقال حذيفة : أبي أبي ، قالوا : والله إن عرفناه ، وصدقوا ، قال حذيفة : يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه ، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين ، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا }انتهى .

ورواه ابن هشام في " السيرة في غزوة أحد " كذلك ، وزاد إسحاق بن راهويه فيه ، قال : وكان الذي قتله عتبة بن مسعود انتهى .

قال الحاكم : حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، انتهى . واعلم أن الحديث في " البخاري " لكن ليس فيه ذكر الدية ، أخرجه في " الديات " عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : { صرخ إبليس يوم أحد في الناس : يا عباد الله أخراكم ، فرجعت أولاهم على أخراهم ، حتى قتلوا اليمان ، فقال حذيفة : أبي أبي ، فقتلوه ، فقال حذيفة : غفر الله لكم ، قال : وكان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف }انتهى . [ ص: 348 ]

الحديث التاسع : قال عليه السلام : { من كثر سواد قوم فهو منهم }; قلت : رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا أبو همام ثنا ابن وهب أخبرني بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث { أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود إلى وليمة ، فلما جاء ليدخل سمع لهوا ، فلم يدخل ، فقال له : لم رجعت ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كثر سواد قوم ، فهو منهم ، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به }انتهى .

ورواه علي بن معبد في " كتاب الطاعة والمعصية " حدثنا ابن وهب به سندا ومتنا ، ورواه ابن المبارك في " كتاب الزهد والرقائق " موقوفا على أبي ذر حدثنا خالد بن حميد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم { أن أبا ذر الغفاري دعي إلى وليمة ، فلما حضر إذا هو بصوت ، فرجع فقيل له : ألا تدخل ، قال : إني أسمع صوتا ، ومن كثر سوادا كان من أهله ، ومن رضي عملا كان شريك من عمله } ، انتهى .

وفي الباب حديث :

" { من تشبه بقوم فهو منهم }; وقد روي من حديث ابن عمر ; [ ص: 349 ] ومن حديث حذيفة ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث أنس .

فحديث ابن عمر : أخرجه أبو داود في " سننه في اللباس " عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من تشبه بقوم فهو منهم }انتهى . وابن ثوبان ضعيف .

وحديث حذيفة : رواه البزار في " مسنده " عن علي بن غراب ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة مرفوعا ، نحوه سواء ، وقال : وقد رواه غير علي بن غراب . فوقفه انتهى .

وحديث أبي هريرة : أخرجه البزار أيضا عن صدقة بن عبد الله عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، وقال : لم يتابع صدقة على روايته هذه ، وغيره يرويه عن الأوزاعي مرسلا انتهى .

وأما حديث أنس : فرواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان في ترجمة أحمد بن محمود " فقال : حدثنا الحجاج بن يوسف بن قتيبة ثنا بشر بن الحسين الأصبهاني ثنا الزبير بن عدي عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بعثت بين يدي الساعة } ، وفي آخره : { ومن شبه بقوم فهو منهم }انتهى . وهو في أحاديث " الكشاف " .

التالي السابق


الخدمات العلمية