نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص منه حتى يبرأ ) وقال الشافعي رحمه الله : يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس وهذا لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { يستأنى في الجراحات سنة }ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها لأن حكمها في الحال غير معلوم [ ص: 412 ] فلعلها تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل وإنما يستقر الأمر بالبرء .


[ ص: 407 - 411 ] الحديث التاسع عشر :

قال عليه السلام : { يستأنى في الجراحة سنة }; قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن يزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقاس الجراحات ، ثم يستأنى بها سنة ، ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت }انتهى .

قال الدارقطني : ويزيد بن عياض ضعيف متروك انتهى . وأخرجه البيهقي عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، وأعله بابن لهيعة . أحاديث الباب :

روى أحمد في " مسنده " عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته ، فقال : يا رسول الله أقدني ، فقال له عليه السلام : لا تعجل حتى يبرأ جرحك ، قال : فأبى الرجل ، إلا أن يستقيد ، فأقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فعرج الرجل المستقيد ، وبرأ المستقاد منه ، فأتى المستقيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله عرجت منه ، وبرأ صاحبي ، فقال له عليه السلام : ألم آمرك أن لا تستقيد حتى يبرأ جرحك ، فعصيتني ؟ فأبعدك الله ، وبطل عرجك ، قال : ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد من كان به جرح أن لا يستقيد حتى تبرأ جراحته ، فإذا برأ استقاد }انتهى .

وكذلك رواه الدارقطني في " سننه " ، ورواه أحمد أيضا من طريق ابن إسحاق ، قال : ذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : [ ص: 412 ] { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل طعن رجلا بقرن في رجله } ، الحديث قال في : التنقيح : وظاهر هذا الانقطاع .

{ حديث آخر } :

رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر ، بلفظ أحمد ; ومن طريق ابن أبي شيبة ، رواه الدارقطني أيضا ثم قال : ما جاء به هكذا إلا ابن أبي شيبة ، وأخوه عثمان ، وأخطآ فيه .

وقد خالفهما أحمد بن حنبل ، وغيره عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلا ، وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحفوظ مرسلا ، ثم أخرجه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة { أن رجلا طعن رجلا بقرن في رجله } ، الحديث ; ثم أخرجه عن مسلم بن خالد الزنجي ثنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن يقضى من الجرح حتى ينتهي }انتهى .

وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة ابن أبي شيبة ، ثم قال : وهذا يرويه سفيان ، وأبان عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة مرسلا ، وهو عندهم أصح ، على أن الذي أسنده ثقة جليل وهو ابن علية ، وقد روى يحيى بن أبي أنيسة ، ويزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يستأنى بالجراحات سنة }انتهى . ذكره الدارقطني من حديث يزيد بن عياض ، وذكر أسد بن موسى حديث يحيى ; ويحيى ، ويزيد متروكان انتهى كلامه . وأنكر عليه ابن القطان قوله : على أن الذي أسنده ثقة ، وهو ابن علية ، قال : فإن أصحاب عمرو هم المختلفون ، فأيوب يسند عنه ، وأبان ، وسفيان يرسلان ، قال ابن القطان : وهذا اختيار من أبي محمد ، أن لا يعل رواية ثقة ، يوصل برواية غيره أتاه مقطوعا ، أو أسنده ، ورواه غيره مرسلا ، فقد [ ص: 413 ] يكون حفظ ما لم يحفظ غيره ، وكذا إذا كان الوصل والإرسال كلاهما عن رجل واحد ثقة ، لا يبعد أن يكون الحديث عنده على الوجهين ، أو حدث به في حالين ، فقد يكون غاب عنه حتى تذكر ، أو راجع كتابه ، وهذا كما يقول أحدنا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنده بسنده ، إنما الشأن في أن يكون الذي يسند ما رواه غيره مقطوعا ، أو مرسلا غير ثقة ، فإنه إذا كان غير ثقة لم يلتفت إليه ، وإن لم يخالفه أحد ، أما إذا كان ثقة فإنه حجة على من لم يحفظ ، قال : وهذا هو الحق في هذا الأصل ، واختاره أكثر الأصوليين ، فطائفة من المحدثين منهم البزار ، وقد صرح بذلك في " مسنده " من حديث أبي سعيد الخدري : { لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة } ، أن الحديث إذا أرسله جماعة ، وأسنده ثقة ، كان القول قول الثقة ، قال : وأكثر المحدثين على الرأي الأول ، وأبو محمد فقد اضطرب في أحكامه ، فتارة صار إلى الرأي الأول ، وتارة إلى الرأي الثاني ، قال : وأولى بالقبول ما إذا أرسل ثقة ، وأسنده ثقة آخر ، فإنه إذا لم يبال بإرسال جماعة إذا وصله ثقة ، فأولى أن لا يبالى بإرسال واحد إذا وصله غيره انتهى . وقال ابن أبي حاتم في " علله " : سألت أبا زرعة عن حديث اختلف فيه عن عمرو بن دينار ، وأيوب السختياني ، وحماد بن سلمة ، فروى ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر { أن رجلا طعن رجلا في ركبته بقرن } ، الحديث ; ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أن رجلا طعن ، قال : فسمعت أبا زرعة يقول : حماد بن سلمة أشبه انتهى .

وأخرجه الطبراني في " معجمه الصغير " عن محمد بن عبد الله الذماري عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل طعن رجلا بقرن ، فقال المطعون : يا رسول الله أقدني ، قال : داوها ، واستأن بها حتى تنظر إلى ما يصير ، فقال : يا رسول الله أقدني ، فقال له مثل ذلك ، فيبست رجل الذي استقاده ، وبرئ الذي استقيد منه ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديتها }انتهى .

وأخرجه الطحاوي من طريق ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبي عن جابر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ }انتهى .

قال في " التنقيح " : إسناده صالح ، وعنبسة [ ص: 414 ] وثقه أحمد ، وغيره ، وقال ابن أبي حاتم : سئل أبو زرعة عن هذا الحديث ، فقال : هو مرسل مقلوب ، انتهى .

وأخرجه البزار في " مسنده " عن مجالد عن الشعبي عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد من جرح حتى يبرأ }انتهى .

ومجالد فيه مقال ; وأخرجه الدارقطني أيضا عن يعقوب بن حميد ثنا عبد الله بن عبد الله الأموي عن ابن جريج ، وعثمان بن الأسود ، ويعقوب بن عطاء عن أبي الزبير عن جابر { أن رجلا جرح ، فأراد أن يستقيد فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح }انتهى .

قال في " التنقيح " : عبد الله بن عبد الله الأموي روى له ابن ماجه حديثا واحدا ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : يخالف في روايته ، وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه ، ولا نعلم روى عنه غير ابن كاسب انتهى .

{ حديث آخر } :

رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن يحيى بن المغيرة عن بديل بن وهب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى طريف بن ربيعة ، وكان قاضيا بالشام أن { صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف ، فجاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : القود ، فقال : ينتظر ، فإن برأ صاحبكم ، فاقتصوا ، وإن يمت نقدكم ، فعوفي ، فقالت الأنصار : قد علمتم أن هوى النبي صلى الله عليه وسلم في العفو ، قال : فعفوا عنه ، فأعطاه صفوان جارية ، فهي أم عبد الرحمن بن حسان } ، انتهى .

وقال الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " : وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، فقال بعضهم : ينتظر بالجرح إلى أن يبرأ ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، وأخذوا في ذلك بحديث جابر ، كما تقدم ، وقال الشافعي : للمجني عليه أن يقتص ، ولا ينتظر ، محتجا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، كما تقدم ، { فإنه عليه السلام أقاده من غير أن ينتظر }.

قال الحازمي : وقد ورد في حديث عمرو بن شعيب ما يدل على أنه منسوخ ، ثم ساقه بسند أحمد ومتنه ، قال : وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج من غير وجه ، فإن صح سماع ابن جريج من عمرو بن شعيب ، فهو حديث حسن يقوى الاحتجاج به لمن يدعي النسخ انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية