نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 522 - 527 ] باب الوصية للأقارب وغيرهم

قال : ( ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة ) وهذا استحسان ، وقوله قياس ، لأن الجار من المجاورة وهي الملاصقة حقيقة ، ولهذا يستحق الشفعة بهذا الجوار ، ولأنه لما تعذر صرفه إلى الجميع يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق . وجه الاستحسان أن هؤلاء كلهم يسمون جيرانا عرفا وقد تأيد بقوله صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد }وفسره بكل من سمع النداء ، ولأن القصد بر الجيران واستحبابه ينتظم الملاصق وغيره ، إلا أنه لا بد من الاختلاط وذلك عند اتحاد المسجد وما قاله الشافعي رحمه الله : الجوار إلى أربعين دارا بعيد ، وما يروى فيه ضعيف ، قالوا : ويستوي فيه الساكن والمالك والذكر والأنثى والمسلم والذمي لأن اسم الجار يتناولهم ويدخل فيه العبد الساكن عنده لإطلاقه ولا يدخل عندهما لأن الوصية له وصية لمولاه وهو غير ساكن .


باب الوصية للأقارب

الحديث الأول : قال عليه السلام : { لا صلاة لجار المسجد ، إلا في المسجد }; قلت : روي من حديث أبي هريرة ; ومن حديث عائشة . فحديث أبي هريرة : رواه الدارقطني ، والحاكم في " المستدرك " كلاهما في " الصلاة " عن يحيى بن إسحاق عن سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لجار المسجد ، إلا [ ص: 528 ] في المسجد }انتهى . سكت الحاكم عنه ، قال ابن القطان في " كتابه " : وسليمان بن داود اليمامي ، المعروف بأبي الجمل ، ضعيف ، وعامة ما يرويه بهذا الإسناد ، لا يتابع عليه انتهى . وحديث جابر :

أخرجه الدارقطني أيضا عن محمد بن سكين الشقري عن عبد الله بن بكير الغنوي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر ، مرفوعا نحوه ، قال ابن القطان : ومحمد بن سكين الشقري مؤذن مسجد بني شقرة ، ذكره العقيلي في " الضعفاء " ، وقال ابن عدي : ليس بمعروف انتهى . وحديث عائشة :

رواه ابن حبان " في كتاب الضعفاء " عن عمر بن راشد المحاربي عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة ، مرفوعا نحوه سواء ، قال ابن حبان : وعمر بن راشد المحاربي القرشي ، مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ، كان يضع الحديث على مالك ، وابن أبي ذئب ، وغيرهما ، لا يحل ذكره في الكتاب ، إلا على سبيل القدح ، فكيف الرواية عنه ؟ انتهى .

ورواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من طريق الدارقطني عن ابن حبان بسنده عن عمر بن راشد به ، وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أحمد بن حنبل : عمر بن راشد لا يساوي حديثه شيئا انتهى . وقال ابن حزم : هذا حديث ضعيف ، وهو صحيح من قول علي انتهى .

قلت : رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي أنه بلغه عن هشيم ، وغيره عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي أنه قال : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، قيل : ومن جار المسجد ؟ قال : من أسمعه المنادي ، انتهى . ورواه ابن أبي شيبة أيضا ، وينظر .

الحديث الثاني : قال المصنف رحمه الله : وما قاله الشافعي : إن الجوار إلى أربعين دارا بعيد ، وما يروى فيه ضعيف ; قلت : روي مسندا ، ومرسلا . فالمسند فيه عن كعب بن مالك ; وأبي هريرة ; وعائشة . فحديث كعب :

أخرجه الطبراني في " معجمه " عن يوسف بن السفر عن [ ص: 529 ] الأوزاعي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه ، قال { : أتى النبي صلى الله عليه وسلم . رجل ، فقال : يا رسول الله إني نزلت محلة بني فلان ، وإن أشدهم لي أذى أقربهم لي جوارا ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ، وعمر ، وعليا أن يأتوا باب المسجد فيقوموا عليه ، فيصيحوا : ألا إن أربعين دارا جوار ، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه ، }قيل للزهري : أربعين دارا ؟ قال : أربعين هكذا ، وأربعين هكذا انتهى . ويوسف بن السفر أبو الفيض فيه مقال . وحديث أبي هريرة :

أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن عبد السلام بن أبي الجنوب عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : حق الجوار إلى أربعين دارا ، وهكذا وهكذا ، وهكذا وهكذا ، يمينا وشمالا ، وقدام وخلف }انتهى .

وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " ، وأعله بعبد السلام بن أبي الجنوب ، وقال : إنه منكر الحديث انتهى .

وحديث عائشة :

أخرجه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي صفرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أوصاني جبرائيل عليه السلام بالجار إلى أربعين دارا ، عشرة من هاهنا ، وعشرة من هاهنا ، وعشرة من هاهنا ، وعشرة من هاهنا }انتهى . وقال : في إسناده ضعف . وأما المرسل :

فرواه أبو داود في " المراسيل " حدثنا إبراهيم بن مروان الدمشقي حدثني أبي ثنا هقل بن زياد ثنا الأوزاعي عن يونس عن ابن شهاب الزهري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الساكن من أربعين دارا جار ، قيل للزهري : وكيف أربعون دارا ؟ قال : أربعون عن يمينه ، وعن يساره ، وخلفه ، وبين يديه }انتهى . وإبراهيم بن مروان هذا هو ابن محمد الطاطري ، وهو صدوق .

التالي السابق


الخدمات العلمية