نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 528 - 530 ] قال : ( ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها }وكانوا يسمون أصهار النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيدة رحمهما الله ، وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه لأن الكل أصهار ، ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية ، وإن كانت في عدة من طلاق بائن لا يستحقها لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح وهو شرط عند الموت .


[ ص: 530 ] الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام لما تزوج صفية أعتق كل ذي رحم محرم منها ، إكراما لها ، وكانوا يسمون أصهار النبي صلى الله عليه وسلم }; قلت : هكذا في الكتاب : صفية ، [ ص: 531 ] وهو وهم ، وصوابه جويرية ، أخرجه أبو داود في سننه " في العتاق " عن محمد بن إسحاق [ ص: 532 ] عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة ، { قالت : وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق [ ص: 533 ] في سهم ثابت بن قيس بن شماس ، أو ابن عم له ، [ ص: 534 ] لفظ الواقدي بالواو وابن عم له ، قالت : فتخلصني ثابت من ابن عمه بنخلات [ ص: 535 ] بالمدينة ، ثم كاتبني ثابت على ما لا طاقة لي به ، فأعني الحديث رجع إلى رواية ابن إسحاق [ ص: 536 ] فكاتبت على نفسها ، وكانت امرأة ملاحة ، تأخذ العين ، قالت عائشة : [ ص: 537 ] فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها ، فلما قامت على الباب رأيتها ، فكرهت [ ص: 538 ] مكانها ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها سبيل الذي رأيت ، فقالت : يا رسول [ ص: 539 ] الله أنا جويرية بنت الحارث ، وقد كان من أمري ما لا يخفى عليك ، وإني وقعت في [ ص: 540 ] سهم ثابت بن قيس بن شماس ، وإني كاتبت على نفسي ، فجئت أسألك في كتابتي ، [ ص: 541 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهل لك إلى ما هو خير منه ؟ قالت : يا رسول الله ، وما هو ؟ قال : [ ص: 542 ] أؤدي عنك كتابتك ، وأتزوجك ؟ قالت : نعم يا رسول الله ، قالت : قد فعلت ، قالت [ ص: 543 ] فتسامع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ، فأرسلوا ما بأيديهم يعني من [ ص: 544 ] السبي فأعتقوهم ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فما رأينا امرأة كانت [ ص: 545 ] أعظم بركة على قومها منها . أعتق في سبيلها مائة أهل بيت من بني المصطلق } ، انتهى . [ ص: 546 ] ورواه أحمد ، وابن راهويه ، والبزار في " مسانيدهم " ومن طريق ابن راهويه رواه [ ص: 547 ] ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي عشر ، من القسم الرابع ، وله طريق آخر عند [ ص: 548 ] الحاكم في " المستدرك في الفضائل " رواه من طريق الواقدي ، ولفظ الواقدي في [ ص: 549 ] " المغازي " حدثنا يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن ابن ثوبان عن عائشة ، فذكره [ ص: 550 ] يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان { عن عائشة ، قالت : أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق ، فأخرج الخمس عنه ، ثم قسمه بين الناس ، فأعطى الفارس سهمين ، والراجل سهما ، فوقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في قسم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري ، وكانت تحت ابن عم لها ، يقال له : صفوان بن مالك بن جذيمة ، فقتل عنها ، فكاتبها ثابت بن قيس على نفسها ، على تسع أوراق من ذهب ، وكانت امرأة حلوة ، لا يكاد يراها أحد إلا أخذت نفسه ، قالت : فبينا النبي صلى الله عليه وسلم عندي إذ دخلت جويرية تسأله في كتابتها ، فكرهت دخولها ، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت ، فقالت : يا رسول الله أنا امرأة مسلمة ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وأنا جويرية بنت الحارث ، سيد قومه ، وقد أصابني من الأمر ما قد علمت ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبني على ما لا طاقة لي به ، وما أكرهني على ذلك إلا أني رجوتك صلى الله عليك ، فأعني في فكاكي ، فقال : أوخير من ذلك ؟ قالت : ما هو ؟ قال : أؤدي عنك كتابتك ، وأتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله ، قالت : قد فعلت ، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها ، وتزوجها ، وخرج ، فخرج الخبر إلى الناس ، فقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون ؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق ، فبلغوا مائة أهل بيت ، قالت : فلا أعلم امرأة كانت على قومها أعظم بركة منها }انتهى . هكذا رواه الواقدي في " كتاب المغازي " ، والحاكم نقص منه التاريخ ، وزاد فيه قوله : وذلك منصرفه من غزوة المريسيع ، وزاد فيه من طريق أخرى : وكان الحارث بن أبي ضرار رأس بني المصطلق ، وسيدهم وكانت ابنته جويرية اسمها برة ، فسماها عليه السلام جويرية ، [ ص: 551 ] لأنه كان يكره أن يقال : خرج من بيت برة ، ويقال { : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق ، ويقال : جعل صداقها عتق أربعين من قومها }انتهى .

وسكت عنه ، ورواه ابن هشام في " سيرته في غزوة بني المصطلق " ، من طريق ابن إسحاق بسند أبي داود ومتنه ، سواء ، قال البخاري في " كتابه المفرد في القراءة خلف الإمام " : رأيت علي بن عبد الله يحتج بحديث ابن إسحاق ، وقال : علي عن ابن عيينة ما رأيت أحدا يتهم محمد بن إسحاق ، وقال لي إبراهيم بن المنذر : حدثنا عمر بن عثمان أن الزهري كان يتلقف المغازي من ابن إسحاق ، فيما يحدثه عن عاصم بن عمر بن قتادة ، والذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق لا يكاد يتبين . وكان إسماعيل بن أبي أويس يقول : أخرج إلي مالك كتب ابن إسحاق عن أبيه في المغازي ، وغيرها . فانتخبت منها كثيرا ، وقال لي إبراهيم بن حمزة : كان عند إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام ، سوى المغازي ، وكان إبراهيم بن سعد من أكثر أهل المدينة حديثا في زمانه ، ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق . فلربما تكلم الإنسان فيرمي صاحبه بشيء واحد ، ولا يتهمه في الأمور كلها ، وقال إبراهيم بن المنذري عن محمد بن فليح : نهاني مالك عن شيخين من قريش ، وقد أكثر عنهما في " الموطإ " ، وهما من يحتج بهما ، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس ، وذلك نحو ما يذكر عن إبراهيم في كلامه في الشعبي ، وكلام الشعبي في عكرمة ، وكذلك من كان قبلهم ، ولم يلتفت أهل العلم إلى ذلك ، ولا سقطت عدالة أحد إلا ببرهان ثابت ، وحجة ، وقال عبيد بن يعيش : حدثنا يونس بن بكير ، قال : سمعت شعبة يقول : محمد بن إسحاق أمير المحدثين لحفظه ، وروى عنه الثوري ، وابن إدريس ، وحماد بن زيد ، ويزيد بن زريع ، وابن علية ، وعبد الوارث ، وابن المبارك ; واحتمله أحمد ، ويحيى بن معين ، وعامة أهل العلم ، وقال لي علي بن عبد الله : نظرت كتاب ابن إسحاق ، فما وجدت عليه إلا في حديثين ، ويمكن أن يكونا صحيحين ، وما ذكر عن هشام بن عروة أنه قال : كيف يدخل محمد بن إسحاق على امرأتي ؟ إن صح ذلك عنه ، فجائز أن تكتب إليه ، فإن أهل المدينة يرون الكتاب جائزا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم { كتب لأمير السرية كتابا ، وقال له : لا تقرأ حتى تبلغ مكان كذا ، فلما [ ص: 552 ] بلغ فتح الكتاب ، وقرأه ، وعمل بما فيه ، وكذلك الخلفاء ، والأئمة ، يقضون بكتاب بعضهم إلى بعض ، }وجائز أيضا أن يكون سمع منها ، وهي من وراء حجاب ، وهشام لم يشهد ، انتهى كلامه بحروفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية