نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( وتجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه كماء المد ، والماء الذي اختلط به اللبن أو الزعفران أو الصابون أو الأشنان ) قال الشيخ الإمام : أجرى في المختصر ماء الزردج مجرى المرق ، والمروي عن أبي يوسف رحمه الله تعالىأنه بمنزلة ماء الزعفران ، وهو الصحيح ، كذا اختاره الناطفي والإمام السرخسي رحمه الله تعالى.

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يجوز التوضؤ بماء الزعفران ، أو أشباهه مما ليس من جنس الأرض ; لأنه ماء مقيد ; ألا ترى أنه يقال : ماء الزعفران بخلاف أجزاء الأرض ; لأن الماء لا يخلو عنها عادة ، ولنا أن اسم الماء باق على الإطلاق ، ألا ترى أنه لم يتجدد له اسم على حدة ، وإضافته إلى الزعفران كإضافته إلى البئر والعين ; ولأن الخلط القليل لا معتبر به لعدم إمكان الاحتراز عنه كما في أجزاء الأرض فيعتبر الغالب ، والغلبة بالأجزاء لا بتغير اللون ، هو الصحيح .


ما ورد في طهورية الماء المستعمل روى الدارقطني ، ثم البيهقي من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بما فضل في يديه ، وفي لفظ : ببلل في يديه }.

قال البيهقي : وابن عقيل هذا لم يكن بالحافظ ، وأهل العلم يختلفون في الاحتجاج به . انتهى .

ونقل الترمذي عن البخاري ، قال : كان أحمد بن حنبل . وإسحاق بن راهويه . والحميدي يحتجون بحديثه ، قال البخاري : وهو مقارب الحديث ، قال في " الإمام " : وليس فيه تصريح بأن الماء كان مستعملا ، لكن رواه الأثرم في " كتابه " ولفظه { أنه عليه السلام مسح بماء بقي من ذراعيه }.

قال : وهذا أظهر في المقصود ، قال البيهقي في " سننه " : وقد روي " يعني هذا " من حديث علي . وابن عباس . وابن مسعود . وأبي الدرداء . وعائشة . وأنس بن مالك ، ذكرناها في " الخلافيات " ولا يصح منها شيء لضعف أسانيدها .

أما حديث علي فرواه من حديث محمد بن عبيد الله العرزمي عن الحسن بن سعد عن أبيه عن علي مرفوعا ، قال البيهقي : والعرزمي متروك ، وحديث ابن عباس من جهة سليمان بن أرقم عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس ، قال النسائي . والدارقطني في سليمان : متروك . وحديث ابن مسعود من جهة يحيى بن عنبسة عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ، ويحيى بن عنبسة كذبه الدارقطني ، وقال ابن عدي : يروي عن الثقات الموضوعات ، ليس بشيء .

وحديث عائشة من جهة عطاء بن عجلان عن ابن أبي مليكة عن عائشة وعطاء بن عجلان ، قال النسائي . والرازي : متروك ، وحديث أبي الدرداء من جهة تمام بن نجيح عن الحسن عن أبي الدرداء ، وتمام بن نجيح ، قال البيهقي : غير [ ص: 163 ] محتج به ، وحديث أنس من جهة المتوكل بن فضيل عن أبي ظلال عن أنس ، وذكر الدارقطني أن المتوكل بن فضيل بصري ضعيف انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن المسلم بن سعيد عن أبي علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جنابة ، فرأى لمعة لم يصبها الماء ، فقال : بجمته ، فبلها عليه }.

قال إسحاق في حديثه : { فعصر شعره عليها }انتهى .

وأبو علي الرحبي حسين بن قيس ، يلقب " بحنش " قال أحمد . والنسائي . والدارقطني : متروك ، وقال أبو زرعة : ضعيف .

ما ورد في طهارة الماء المستعمل روى البخاري في " صحيحه " من حديث محمد بن المنكدر عن { جابر ، قال : مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني . وأبو بكر ، وهما ماشيان . فوجداني قد أغمي علي ، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي . فأفقت ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي ، كيف أقضي في مالي ؟ فلم يجبني بشيء ، حتى نزلت آية الميراث }انتهى .

في " الخلاصة " متفق عليه .

حديث آخر روى الترمذي في " كتابه " من حديث رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه }انتهى وقال : حديث غريب ، وإسناده ضعيف ، ورشدين بن سعد . وعبد الرحمن بن زياد يضعفان في الحديث انتهى .

وأخرجه البيهقي وقال : إسناده ليس بالقوي . { حديث آخر } أخرجه الترمذي أيضا عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : { كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء }انتهى .

وقال : حديث ليس بالقائم ، ولا يصح في هذا الباب شيء ، وأبو معاذ يقولون : إنه سليمان بن أرقم ، وهو ضعيف عند أهل الحديث انتهى .

{ حديث آخر } أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن سلمان الفارسي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ ، فقلب جبة صوف كانت عليه [ ص: 164 ] فمسح بها وجهه }انتهى .

والوضين بن عطاء وثقه أحمد ، وقال ابن معين : لا بأس به . ما ورد في عدم طهارته ، روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ، وهو جنب ، فقال : كيف يا أبا هريرة ؟ قال : يتناوله تناولا }انتهى .

ورواه البيهقي من حديث محمد بن عجلان ، قال : سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة }انتهى .

ورواه البيهقي من حديث محمد بن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة { أنه عليه السلام نهى أن يبال في الماء الدائم . وأن يغتسل فيه من الجنابة }انتهى .

ومحمد بن عجلان . وأبوه أخرج لهما مسلم ، واستشهد بهما البخاري ، والله أعلم .

ما ورد في الماء المشمس . ورد مرفوعا من حديث عائشة . ومن حديث أنس ، وموقوفا على عمر . أما حديث عائشة ، فله خمس طرق :

أحدها : عند الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " عن خالد بن إسماعيل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : { أسخنت ماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الشمس ليغتسل به ، فقال لي : يا حميراء لا تفعلي ، فإنه يورث البرص }انتهى .

قال الدارقطني : خالد بن إسماعيل متروك . وقال ابن عدي : يضع الحديث على ثقات المسلمين

الثانية : عند ابن حبان في " كتاب الضعفاء " عن أبي البختري وهب بن وهب عن هشام به قال ابن عدي : هو شر من خالد .

الثالثة : عند الدارقطني عن الهيثم بن عدي عن هشام به ، قال النسائي . والدارمي : الهيثم بن عدي متروك . ونقل ابن الجوزي عن ابن معين أنه قال : كان يكذب

الرابعة : عند الدارقطني عن عمرو بن محمد الأعسم عن فليح عن عروة عن عائشة . قالت { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ بالماء المشمس أو يغتسل به ، وقال : إنه يورث البرص } ، [ ص: 165 ] انتهى .

قال الدارقطني : عمرو بن محمد الأعسم منكر الحديث ، ولم يروه عن فليح غيره ، ولا يصح عن الزهري ، وأغلظ ابن حبان في عمرو بن محمد الأعسم القول ، وذكر ابن الجوزي هذا الحديث من هذه الطرق الأربعة في " الموضوعات " .

الطريق الخامس : رواه الدارقطني في " كتابه غرائب مالك " من حديث إسماعيل بن عمرو الكوفي عن ابن وهب عن مالك عن هشام به ، ولفظه : قالت : { سخنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ماء في الشمس يغتسل به ، فقال : لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص }انتهى .

قال الدارقطني : هذا باطل عن مالك ، وعن ابن وهب ، ومن دون ابن وهب ضعفاء ، وإنما رواه خالد بن إسماعيل المخزومي ، وهو متروك عن هشام انتهى .

وإلى هذه الطريق أشار البيهقي في " سننه " فقال وروي بإسناد آخر منكر عن ابن وهب عن مالك عن هشام ، ولا يصح انتهى .

طريق آخر : أخرجه الطبراني في " معجمه الوسط " عن محمد بن مروان السدي عن هشام بن عروة عن أبيه به . وقال : لم يروه عن هشام إلا محمد بن مروان ، ولا يروى عن النبي إلا بهذا الإسناد انتهى ووهم في ذلك .

وأما حديث أنس فرواه العقيلي في " كتاب الضعفاء " من حديث علي بن هشام الكوفي ثنا سوادة عن أنس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تغتسلوا بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من البرص }انتهى .

قال [ العقيلي ] وسوادة عن أنس مجهول . وحديثه غير محفوظ ، ولا يصح في الماء المشمس حديث مسند ، إنما هو شيء يروى من قول عمر انتهى .

ومن طريق العقيلي رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " ونقل كلامه بحروفه .

. وأما موقوف عمر ، فرواه الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد الأسلمي ، أخبرني صدقة بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر أن عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس ، وقال : إنه يورث البرص انتهى .

ومن طريق الشافعي ، رواه البيهقي . [ ص: 166 ]

طريق آخر : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن حسان بن أزهر ، قال : قال عمر : لا تغتسلوا بالماء المشمس ، فإنه يورث البرص انتهى .

وصفوان بن عمرو حمصي ، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيحة ، وقد تابعه المغيرة بن عبد القدوس ، فرواه عن صفوان به . رواه ابن حبان في " كتاب الثقات ، في ترجمة حسان بن أزهر " والله أعلم .

وسند الشافعي فيه الأسلمي ، قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : كان قدريا . لكنه كان ثقة في الحديث ، فلذلك روي عنه انتهى .

وصدقة بن عبد الله هو " السمين " قال البيهقي في " سننه ، في باب زكاة العسل " : ضعفه أحمد . وابن معين . وغيرهما ، انتهى .

ما ورد في الماء المسخن

روى البيهقي في " سننه " والطبراني في " معجمه " من حديث العلاء بن الفضل بن موسى المنقري ثنا الهيثم بن رزين عن أبيه عن الأسلع بن شريك ، قال : { كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحلة ، فكرهت أن أرحل ناقته وأنا جنب ، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض ، فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ، ووضعت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت . ثم لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال : يا أسلع مالي أرى راحلتك تضطرب ؟ فقلت : يا رسول الله لم أرحلها ، ولكن رحلها رجل من الأنصار . قال : ولم ؟ قلت : أصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي ، فأمرته أن يرحلها ، ووضعت أحجارا ، فأسخنت ماء فاغتسلت به ، فأنزل الله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }إلى قوله : { عفوا غفورا } }انتهى .

قال الذهبي في " مختصر سنن البيهقي " : تفرد به العلاء بن الفضل ، وليس بحجة انتهى .

{ حديث آخر } موقوف أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " عن علي بن غراب عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه كان يسخن له ماء في قمقمة ثم يغتسل به ، قال الدارقطني : إسناده صحيح ، انتهى . وفيه رجلان تكلم [ ص: 167 ] فيهما :

أحدهما : علي بن غراب . فممن وثقه الدارقطني . وابن معين ، وممن ضعفه أبو داود . وغيره ، وقال الخطيب : تكلموا فيه لمذهبه ، فإنه كان غاليا في التشيع .

والآخر : هشام بن سعد ، فهو وإن أخرج له مسلم فقد ضعفه النسائي .

وعن ابن حنبل أنه ذكره ، فلم يرضه ، وقال : ليس بمحكم للحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية