نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( وإن مات فيها شاة أو كلب أو آدمي نزح جميع ما فيها من الماء ) لأن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم . [ ص: 198 ] ( فإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر ) لانتشار البلة في أجزاء الماء . قال : ( وإن كانت البئر معينا لا يمكن نزحها أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء ) وطريق معرفته أن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر ، ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ ، أو ترسل فيها قصبة ، ويجعل لمبلغ الماء علامة ، ثم ينزح منها عشر دلاء مثلا ، ثم تعاد القصبة ، فينظر كم انتقص ، فينزح لكل قدر منها عشر دلاء ، وهذان عن أبي يوسف رحمه الله . وعن محمد رحمه الله نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة ، فكأنه بنى قوله على ما شاهد في بلده . وعن أبي حنيفة رحمه الله في الجامع الصغير في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ، ولم يقدر الغلبة بشيء كما هو دأبه ، وقيل : يؤخذ بقول رجلين لهما بصارة في أمر الماء ، وهذا أشبه بالفقه .


قوله : روي عن ابن عباس . وابن الزبير رضي الله عنهما ، أفتيا بنزح البئر كلها حين مات زنجي في بئر زمزم . قلت : هذه القصة رواها ابن سيرين . وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة . [ ص: 198 ] وأبو الطفيل ، فرواية ابن سيرين أخرجها الدارقطني في " سننه " حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد عن أحمد بن منصور عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن هشام عن محمد بن سيرين أن زنجيا وقع في زمزم " يعني فمات " فأمر به ابن عباس ، فأخرج ، وأمر بها أن [ ص: 199 ] تنزح ، قال : فغلبتهم عين جاءت من الركن ، قال : فأمر بها فدست بالقباطي والمطارق حتى نزحوها ، فلما نزحوها انفجرت عليهم انتهى .

قال البيهقي في " المعرفة " . وابن سيرين عن ابن عباس : مرسل . لم يلقه ولا سمع منه ، وإنما هو بلاغ بلغه انتهى ، وأما رواية عطاء ، فرواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " والطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا هشيم ثنا منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات ، فأمر ابن الزبير فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع ، فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود ، فقال ابن الزبير : حسبكم انتهى .

وأما رواية عمرو بن دينار ، فأخرجها البيهقي في " كتاب المعرفة " من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار أن زنجيا وقع في زمزم فمات ، فأمر به ابن عباس فأخرج وسدت عيونها ثم نزحت انتهى .

قال : وابن لهيعة لا يحتج به ، وأما رواية قتادة ، فرواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عباد بن العوام عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس أن زنجيا وقع في زمزم ، فمات ، فأنزل إليه رجلا فأخرجه ، ثم قال : انزحوا ما فيها من ماء انتهى .

وقال البيهقي : في " المعرفة " : وقتادة عن ابن عباس مرسل لم يلقه ولا سمع منه ، إنما هو بلاغ بلغه انتهى .

وأما رواية أبي الطفيل ، فرواها البيهقي من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن ابن عباس ، فذكره ، قال : ورواه جابر مرة أخرى عن أبي الطفيل نفسه أن غلاما وقع في زمزم ، فنزحت ، لم يذكر فيه ابن عباس ، وهذه الرواية عند الدارقطني ، قال البيهقي : وجابر الجعفي لا يحتج به ، واعتمد البيهقي في تضعيف هذه القصة بأثر رواه عن سفيان بن عيينة ، فقال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الوليد الفقيه عن عبد بن شرويه ، قال : سمعت أبا قدامة يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا : إنه وقع في زمزم ، ولا سمعت أحدا يقول : نزحت زمزم ، ثم أسند عن الشافعي أنه قال : لا يعرف هذا عن ابن عباس ، وكيف يروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : { الماء لا ينجسه شيء } ، ويتركه ، وإن كان قد فعل فلنجاسة ظهرت على وجه الماء ، ونزحها للتنظيف لا للنجاسة ، فإن زمزم للشرب انتهى .

وأجاب بعض الأصحاب : بأن عدم علتهما لا يصلح دليلا ، ثم إنهما لم يدركا ذلك الوقت بينهما وبينه قريب من مائة وخمسين سنة ، وكان إخبار من أدرك الواقعة وأثبتها أولى من قولهما ، وقول النووي أيضا : كيف يصل هذا الخبر إلى أهل الكوفة ، [ ص: 200 ] ويجهله أهل مكة ، وسفيان بن عيينة كبير أهل مكة معارض بقول الشافعي لأحمد : أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا ، فإذا كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا ، فهلا قال : كيف يصل هذا إلى أولئك ، ويجهله أهل الحرمين

التالي السابق


الخدمات العلمية