نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب الجنائز ( إذا احتضر الرجل وجه إلى القبلة على شقه الأيمن ) اعتبارا بحال الوضع في القبر ; لأنه أشرف عليه ، والمختار في بلادنا الاستلقاء ; لأنه أيسر لخروج الروح ، والأول هو السنة .

.
باب الجنائز قوله : إذا احتضر الرجل وجه إلى القبلة ، على شقه الأيمن ، اعتبارا بحال الوضع في [ ص: 296 ] القبر ، والمختار في بلادنا الاستلقاء ; لأنه أيسر ، والأول هو السنة ، قلت : لم أجد له شاهدا ويستأنس بحديث أخرجه البخاري ومسلم عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا أتيت مضجعك ، فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ، وقل : اللهم إني أسلمت نفسي إليك } ، الحديث ، أخرجاه في " الدعاء " ، وأخرجه البخاري من فعله عليه الصلاة والسلام قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ، ثم قال : اللهم إني أسلمت نفسي إليك } ، الحديث . وأخرجه ابن ماجه في " سننه " والنسائي في " اليوم والليلة " من فعله عليه السلام عن سفيان عن الربيع ابن أخي البراء ، عن البراء { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه ، وضع كفه اليمنى تحت شقه الأيمن }الحديث ، وكذلك رواه الترمذي في " الشمائل " ، وليس فيه ذكر القبلة .

{ حديث آخر } : أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " عن أم سلمى ، قالت : اشتكت فاطمة شكواها الذي قبضت فيه ، فكنت أمرضها ، فأصبحت يوما ، كأمثل ما رأيتها ، وخرج علي لبعض حاجته ، فقالت : يا أمه ، اسكبي لي غسلا ، فاغتسلت ، كأحسن ما رأيتها تغتسل ، ثم قالت : يا أمه ، أعطني ثيابي الجدد ، فأعطيتها ، فلبستها ، ثم قالت : يا أمه ، قدمي لي فراشي وسط البيت ، ففعلت واضطجعت ، فاستقبلت القبلة ، وجعلت يدها تحت خدها ، ثم قالت : يا أمه ، إني مقبوضة الآن ، وقد تطهرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبضت مكانها . انتهى .

وسنده : حدثنا أبو النضر ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن أم سلمى ، فذكره سواء ، بزيادة : قالت : فجاء علي فأخبرته . انتهى .

حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق به ، نحوه ، هكذا وقع في " مسند أم سلمى " ، وصوابه : سلمى ، قال ابن عساكر في الجزء الذي رتب فيه أسماء الصحابة المذكورين في " مسند أحمد " على الحروف : الصواب سلمى ، وهي زوجة أبي رافع ، وذكر الإمام أحمد لها ، بعد هذا الحديث ، حديثين في المسند ، وسماها سلمى ، قال ابن القطان في " كتابه " : أبو رافع ، مولى النبي صلى الله عليه وسلم احتوشته امرأتان ، كل واحدة منهما ، اسمها " سلمى " : إحداهما : أمه [ ص: 297 ] والأخرى زوجته .

فأمه سلمى ، مولاة صفية بنت عبد المطلب ، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت خادما له ، روى جارية بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع عن جدته سلمى ، قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم { : بيت لا تمر فيه جياع أهله } ، وأما زوجته سلمى ، فهي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدت خيبر ، وولدت عبيد الله بن أبي رافع ، كاتب علي رضي الله عنه . انتهى .

وفي حاشية عليه : ولأبي رافع امرأة أخرى اسمها " سلمى " تابعية ، لا صحبة لها ، وروى عنها القعقاع بن حكيم ، ذكرها ابن حبان في " الثقات " . انتهى .

واعلم أن الحديث ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وفي " العلل المتناهية " من رواية عاصم بن علي الواسطي ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن أمه سلمى ، فذكره بلفظ أحمد ، وزاد في آخره : فجاء علي رضي الله عنه ، فأخبر ، فقال : والله لا يكشفها أحد ، فدفنها بغسلها ذلك انتهى قال في " الموضوعات " : وقد رواه نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد ، ورواه الحكم بن أسلم عن إبراهيم أيضا ، قال : وهذا حديث لا يصح ، أما محمد بن إسحاق فمجروح ، شهد بكذبه مالك وسليمان التيمي ووهيب بن خالد وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد ، وقال ابن المديني : يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة ، وأما عاصم ، فقال ابن معين فيه : ليس بشيء ، وأما نوح بن يزيد والحكم ، فكلاهما شيعي ، وأيضا فالغسل إما أن يكون لحدث الموت ، فكيف تغتسل قبل الحدث ؟ هذا مما لا ينسب إلى علي وفاطمة ، بل ينزهون عن مثل هذا . انتهى .

وكذلك قال في " العلل المتناهية " ، إلا أنه زاد : ثم إن أحمد والشافعي يحتجان في جواز غسل الرجل زوجته ، بأن عليا غسل فاطمة رضي الله عنها ، ردا على أبي حنيفة رضي الله عنه . انتهى .

قال صاحب " التنقيح " : عاصم بن علي الواسطي روى عنه البخاري في " صحيحه " ونوح بن يزيد هو المؤدب ، صدوق ثقة ، ولا نعلم أحدا رماه بالتشيع ، والحكم بن أسلم ، قال فيه أبو حاتم الرازي : قدري صدوق . انتهى .

قلت : ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " بسند ضعيف ومنقطع ، لكن ليس فيه هيئة الاضطجاع ، فقال : أخبرنا معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن فاطمة لما حضرتها الوفاة ، أمرت عليا فوضع لها غسلا ، فاغتسلت ، وتطهرت ، ودعت بثياب أكفانها ، فلبستها ، ومست من الحنوط ، ثم أمرت عليا أن [ ص: 298 ] لا تكشف إذا هي قبضت ، وأن تدرج كما هي في أكفانها ، فقلت له : هل علمت أحدا فعل نحو ذلك ؟ قال : نعم ، كثير بن عباس ، وكتب في أطراف أكفانه : يشهد كثير بن عباس أن لا إله إلا الله . انتهى .

ومن طريق عبد الرزاق ، رواه الطبراني في " معجمه " ، والحديث الذي أشار إليه ابن الجوزي في غسل علي لفاطمة ، رواه الحافظ أبو نعيم في " كتاب الحلية في ترجمة فاطمة رضي الله عنها" ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا أبو العباس السراج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا محمد بن موسى المخزومي عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أمه ، أم جعفر بنت محمد بن جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا أسماء إني أستقبح ما يفعل بالنساء ، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت أسماء : يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟ فدعت بجرائد رطبة فلوتها ، ثم طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، يعرف به المرأة من الرجل ، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي ، فلما توفيت غسلها علي وأسماء .

ورواه الدارقطني في " سننه " عن أسماء أن فاطمة أوصت أن يغسلها زوجها علي وأسماء فغسلاها ، وينظر واستدل النووي أيضا في " الخلاصة " للشافعي بحديث أخرجه ابن ماجه ، وأحمد ، والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن علقمة عن عائشة ، قالت { : رجع النبي صلى الله عليه وسلم من البقيع ، وأنا أجد صداعا في رأسي ، وأقول : وارأساه ، فقال : بل أنا يا عائشة ، وارأساه ، ثم قال : ما ضرك لو مت قبلي ، فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ؟ }. انتهى .

وهذا ليس فيه حجة ، فإن هذا اللفظ لا يقتضي المباشرة ، فقد يأمر بغسلها الثاني : أنه حديث ضعيف ، قال النووي : فيه محمد بن إسحاق ، وهو مدلس ، وقد عنعن . انتهى . واستشهد شيخنا علاء الدين لهذا الحديث ، بحديث أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن أبي قتادة { أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم إلى المدينة ، سأل عن البراء بن معرور ، فقالوا : توفي ، وأوصى أن يوجه إلى القبلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصاب الفطرة ، ثم ذهب فصلى عليه } ، وقال : حديث صحيح ، ولا أعلم في توجيه المحتضر غيره ، وروى البيهقي ، ولم يذكر في الباب غيره ، وهذا الاستشهاد غير طائل ، إذ ليس فيه التوجيه على الصفة التي ذكرها المصنف ، [ ص: 299 ] وإنما فيه مجرد التوجيه فقط ، ومجرد التوجيه فيه حديث أخرجه أبو داود في " الوصايا " والنسائي في " المحاربة " عن عبيد بن عمير أن أباه عمير بن قتادة حدثه ، وكان له صحبة ، { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما الكبائر ؟ قال : هن تسع : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت الحرام قبلتكم ، أحياء وأمواتا }. انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : رجاله محتج بهم في " الصحيح " ، إلا عبد الحميد بن سنان . انتهى وعبد الحميد بن سنان حجازي ، لا يعرف إلا بهذا الحديث ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال البخاري : في حديثه نظر . انتهى طريق آخر : رواه أبو القاسم البغوي حدثنا علي بن الجعد ثنا أيوب بن عتبة ثنا طيسلة ، سألت ابن عمر عشية عرفة عن الكبائر ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { هن سبع } ، فذكره ، ورواه الطبري في " تفسيره " عن سليمان بن ثابت الجحدري عن مسلم بن سلام عن أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن عبيد بن عمير بن قتادة عن أبيه ، فذكره ، ومداره على أيوب بن عتبة ، قاضي اليمامة ، وهو ضعيف ، ومشاه ابن عدي ، وقال : إنه مع ضعفه يكتب حديثه . انتهى .

وذكر الإمام أبو حفص عمر بن شاهين في " كتاب الجنائز " له باب في توجيه المحتضر ، ولم يذكر فيه غير أثر عن إبراهيم النخعي ، قال : يستقبل بالميت القبلة وعن عطاء بن أبي رباح نحوه ، بزيادة : على شقه الأيمن ، ما علمت أحدا تركه من ميته ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية