نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 358 - 360 ] باب الشهيد ( الشهيد : من قتله المشركون ، أو وجد في المعركة وبه أثر ، أو قتله المسلمون ظلما ، ولم يجب بقتله دية ; فيكفن ويصلى عليه ولا يغسل ) لأنه في معنى شهداء أحد ، وقال صلى الله عليه وسلم فيهم { زملوهم بكلومهم ودمائهم ولا تغسلوهم }فكل من قتل بالحديدة ظلما ، وهو طاهر بالغ ، ولم يجب به عوض مالي فهو في معناهم ; فيلحق بهم ، والمراد بالأثر الجراحة لأنها دلالة القتل ، وكذا خروج الدم من موضع غير معتاد كالعين ونحوها ، والشافعي رحمه الله يخالفنا في الصلاة ويقول : السيف محاء للذنوب فأغنى عن الشفاعة ، ونحن نقول : الصلاة على الميت لإظهار كرامته ، والشهيد أولى بها ، والطاهر عن الذنوب لا يستغني عن الدعاء كالنبي والصبي . ( ومن قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق فبأي شيء قتلوه لم يغسل ) لأن شهداء أحد ما كان كلهم قتيل السيف والسلاح .

( وإذا استشهد الجنب غسل عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا : لا يغسل ) لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت ، والثاني : لم يجب للشهادة ، ولأبي حنيفة رحمه الله أن الشهادة عرفت مانعة غير رافعة فلا ترفع الجنابة . [ ص: 361 - 368 ] وقد صح أن حنظلة لما استشهد جنبا غسلته الملائكة . وعلى هذا الخلاف الحائض والنفساء إذا طهرتا ، وكذا قبل الانقطاع في الصحيح من الرواية ، وعلى هذا الخلاف الصبي ، لهما أن الصبي أحق بهذه الكرامة ، وله أن السيف كفى عن الغسل في حق شهداء أحد بوصف كونه طهرة ، ولا ذنب على الصبي فلم يكن في معناهم .


باب الشهيد

الحديث الأول : { قال عليه السلام في شهداء أحد زملوهم بكلومهم [ ص: 361 ] ودمائهم ، ولا تغسلوهم } ، قلت : حديث غريب ، وفي ترك غسل الشهداء أحاديث : منها ما أخرجه البخاري في " صحيحه " ، وأصحاب السنن الأربعة عن الليث بن سعد رضي الله عنه عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ، ويقول : أيهما أكثر أخذا للقرآن ، فإذا أشير له إلى أحدهما ، قدمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ، وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلهم } ، زاد البخاري ، والترمذي رحمهما الله{ ولم يصل عليهم }. انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال النسائي : لا أعلم أحدا تابع الليث من أصحاب الزهري على هذا الإسناد ، واختلف عليه فيه . انتهى .

ولم يؤثر عند البخاري ، والترمذي تفرد الليث بهذا الإسناد ، بل احتج به البخاري في " صحيحه " ، وصححه الترمذي ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : رواه أبو داود في " سننه " حدثنا زياد بن أيوب ثنا عيسى بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود ، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم }. انتهى . وأعله النووي بعطاء .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود أيضا عن جابر ، قال : { رمي رجل بسهم في صدره ، أو في حلقه ، فمات ، فأدرج في ثيابه ، كما هو ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم }. انتهى . قال النووي في " الخلاصة " : سنده على شرط مسلم .

{ حديث آخر } : أخرجه النسائي في " سننه " عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { زملوهم بدمائهم ، فإنه ليس كلم يكلم في سبيل [ ص: 362 ] الله ، إلا يأتي يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم ، والريح ريح المسك }. انتهى . ورواه أحمد في مسنده : حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على قتلى أحد ، فقال : إني شهيد على هؤلاء ، زملوهم بكلومهم ودمائهم }. انتهى . وبهذا السند رواه الشافعي رضي الله عنه ، ومن طريقه البيهقي .

أحاديث الصلاة على الشهيد : روى البخاري في " صحيحه في المغازي ، في غزوة أحد " ، ومسلم في " فضائل النبي صلى الله عليه وسلم " من حديث أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما ، فصلى على شهداء أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف } ، انتهى . زاد فيه مسلم : { فصعد المنبر ، كالمودع للأحياء والأموات ، فقال : إني فرطكم على الحوض ، ولست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخشى أن تنافسوا في الدنيا ، وتقتتلوا فتهلكوا ، كما هلك من قبلكم ، قال عقبة : فكانت لآخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر }انتهى . زاد ابن حبان : { ثم دخل بيته ، فلم يخرج حتى قبضه الله عز وجل }.

ومن الناس من يحمل الصلاة في هذا الحديث على الدعاء ، ومنهم البيهقي وابن حبان في " صحيحه " . وقوله فيه : صلاته على الميت ، يدفعه ، لكن قد يقال : إنه من الخصائص ، لأنه عليه السلام قصد بها التوديع ، كما صرح به في " الصحيح " ، ويؤيد هذا أنه ورد في لفظ البخاري { أنه عليه السلام صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين ، كالمودع للأحياء والأموات }. قال ابن حبان رحمه الله في " صحيحه " : المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء ، إذ لو كان المراد حقيقة الصلاة للزم من يقول بها ، أن يجوز الصلاة على الميت بعد دفنه بسنين ، فإن وقعة أحد كانت سنة ثلاث من الهجرة ، وهذه الصلاة حين خروجه من الدنيا بعد وقعة أحد بسبع سنين ، وهو لا يقول بذلك . انتهى .

وقد ناقض ابن حبان هذا في أحاديث الصلاة في الكعبة ، فقال : زعم أئمتنا أن بلالا أثبتها ، وابن عباس نفاها ، والمثبت مقدم على النافي ، وهذا شيء يلزمنا في شهداء أحد ، فإن ابن عباس [ ص: 363 ] وغيره رووا أنه عليه السلام صلى عليهم ، وجابر روى أنه لم يصل عليهم ، أو يكون عليه السلام قصد بالصلاة عليهم أن ينور عليهم قبورهم ، كما ورد في البخاري . ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، { أن النبي عليه السلام صلى على قبر امرأة ، أو رجل كان يقم المسجد ، ثم قال : إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة ، وإني أنورها بصلاتي عليهم }. انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن أبي حماد الحنفي ، واسمه : المفضل بن صدقة عن ابن عقيل ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، يقول : { فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين قام الناس من القتال ، فقال رجل : رأيته عند تلك الشجرات ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ، فلما رآه ورأى ما مثل به ، شهق وبكى ، فقام رجل من الأنصار ، فرمى عليه بثوب ، ثم جيء بحمزة ، فصلى عليه ، ثم جيء بالشهداء ، فيوضعون إلى جانب حمزة ، فصلى عليهم ، ثم يرفعون ، ويترك حمزة ، حتى صلى على الشهداء كلهم ، وقال صلى الله عليه وسلم : حمزة سيد الشهداء عند الله يوم القيامة }مختصر ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي في " مختصره " ، فقال : أبو حماد الحنفي قال النسائي فيه : متروك . انتهى .

{ حديث آخر } : رواه أحمد في " مسنده " حدثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة ثنا عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود ، قال : { كان النساء يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين ، إلى أن قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم حمزة ، وجيء برجل من الأنصار ، فوضع إلى جنبه ، فصلى عليه ، فرفع الأنصاري ، وترك حمزة ، ثم جيء بآخر ، فوضع إلى جنب حمزة ، فصلى عليه ، ثم رفع ، وترك حمزة ، حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة } ، مختصر . ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن الشعبي مرسلا ، لم يذكر فيه ابن مسعود .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " سننه " عن عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد عن [ ص: 364 ] الزهري عن أنس رضي الله عنهم { أن النبي عليه السلام مر بحمزة ، وقد مثل به ، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره } ، ورواه الدارقطني في " سننه " ، وقال : لم يقل فيه : ولم يصل على أحد من الشهداء غيره إلا عثمان بن عمر ، وليست بمحفوظة انتهى .

قال ابن الجوزي رحمه الله في " التحقيق " : وعثمان بن عمر مخرج له في " الصحيحين " وزيادة من الثقة مقبولة . انتهى .

وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود ، وقال : الصحيح حديث البخاري ، { أنه لم يصل على الشهداء }. انتهى .

قال ابن القطان في " كتابه " : وعلته ضعف أسامة بن زيد الليثي ، وقد ذكر عبد الحق هذا الحديث في " أحكامه الكبرى " وأتبعه بالكلام في أسامة ، وقال : وثقه ابن معين ، وضعفه يحيى بن سعيد ، روى عنه الثوري وعبد الله بن المبارك ، ومن الأحاديث التي صححها وهي من رواية أسامة حديث { أنه عليه السلام كان يأخذ من طول لحيته وعرضها } ، وحديث أبي مسعود في الأوقات ، وغير ذلك . انتهى كلامه . ورواه أحمد في " مسنده " حدثنا صفوان بن عيسى ثنا أسامة بن زيد به ، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " عن عثمان بن عمر . وروح عن أسامة به ، وقال : على شرط مسلم . انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن إسماعيل بن عياش عن عبد الملك بن أبي غنية أو غيره عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : { لما انصرف المشركون عن قتلى أحد ، إلى أن قال : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فكبر عليه عشرا ، ثم جعل يجاء بالرجل ، فيوضع ، وحمزة مكانه ، حتى صلى عليه سبعين صلاة ، وكانت القتلى يومئذ سبعين } ، ثم قال : لم يروه غير إسماعيل بن عياش ، وهو مضطرب الحديث عن غير الشاميين انتهى . طريق آخر : أخرجه الحاكم في " المستدرك " والطبراني في " معجمه " والبيهقي في " السنن " عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس ، قال : { أمر رسول [ ص: 365 ] الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أحد فهيئ للقبلة ، ثم كبر عليه سبعا ، ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة } ، زاد الطبراني : { ثم وقف عليهم حتى واراهم } ، سكت الحاكم عنه .

وتعقبه الذهبي ، فقال : ويزيد بن أبي زياد لا يحتج به . وقال البيهقي : هكذا رواه يزيد بن أبي زياد ، وحديث جابر { أنه لم يصل عليهم }. انتهى .

ورواه ابن ماجه في " سننه " بهذا الإسناد ، وقال : { أتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فجعل يصلي على عشرة ، وحمزة كما هو يرفعون وهو كما هو موضوع }انتهى .

قال ابن الجوزي رحمه الله في " التحقيق " : ويزيد بن أبي زياد منكر الحديث .

وقال النسائي : متروك الحديث ، وتعقبه صاحب " التنقيح " رحمه الله بأن ما حكاه عن البخاري ، والنسائي إنما هو في يزيد بن زياد ، وأما راوي هذا الحديث ، فهو الكوفي ، ولا يقال فيه : ابن زياد . وإنما هو ابن أبي زياد ، وهو ممن يكتب حديثه على لينه ، وقد روى له مسلم مقرونا بغيره ، وروى له أصحاب السنن ، وقال : أبو داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه ، وقد جعلهما في " كتابه " الذي في الضعفاء واحدا ، وهو وهم . انتهى .

طريق آخر : أخرجه الدارقطني رحمه الله في " سننه " عن عبد العزيز بن عمران حدثني أفلح بن سعيد عن محمد بن كعب عن ابن عباس ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أحد }باللفظ الذي قبله ، سواء ، ثم قال : وعبد العزيز هذا ضعيف . طريق آخر رواه ابن هشام في " السيرة " عن ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة رضي الله عنه فجيء ببردة ، ثم صلى عليه ، وكبر سبع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى يوضعون إلى حمزة ، يصلي عليهم ، وعليه معهم ، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة } ، مختصر ، قال السهيلي في " الروض الأنف " : قول ابن إسحاق في هذا الحديث ، حدثني من لا أتهم ، إن كان هو الحسن بن عمارة ، كما قاله بعضهم ، فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث ، وإن كان غيره ، فهو مجهول ، ولم يرو عن النبي عليه السلام أنه صلى على شهيد في [ ص: 366 ] شيء من مغازيه ، إلا في هذه الرواية ، ولا في مدة الخليفتين من بعده . انتهى كلامه . قلت : قد ورد مصرحا فيه بالحسن بن عمارة ، كما رواه الإمام أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي في " سننه " عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : { لما انصرف المشركون من قتلى أحد أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتلى ، فرأى منظرا ساءه ، فرأى حمزة قد شق بطنه ، واصطلم أنفه ، وجدعت أذناه ، فقال : لولا أن يحزن النساء ، أو يكون سنة بعدي لتركته ، حتى يحشره الله في بطون السباع ، والطير ، ولمثلت بثلاثين منهم مكانه ، ثم دعا ببردة ، فغطى بها وجهه ، فخرجت رجلاه ، فغطى بها رجليه ، فخرج رأسه ، فغطى بها رأسه ، وجعل على رجليه من الإذخر ، ثم قدمه ، فكبر عليه عشرا ، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع إلى جنبه فيصلي عليه ، ثم يرفع ، ويجاء بالرجل الآخر ، فيوضع ،وحمزة مكانه ، حتى صلى عليه سبعين صلاة ، وكانت القتلى سبعين ، فلما دفنوا . وفرغ منهم ، نزلت هذه الآية { وإن عاقبتم فعاقبوا }الآية ، فصبر عليه السلام ، ولم يقتل ، ولم يعاقب }. انتهى .

{ حديث آخر } مرسل : أخرجه أبو داود في " مراسيله " عن حصين عن أبي مالك الغفاري ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة رضي الله عنه صلى عليه سبعين صلاة }انتهى . وحصين ، هو : ابن عبد الرحمن الكوفي أحد الثقات ، المخرج لهم في " الصحيحين " . وابن مالك الغفاري ، اسمه : غزوان ، هو تابعي ، روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، ووثقه يحيى بن معين ، والله أعلم .

قال البيهقي في " المعرفة " : وهذا الحديث مع إرساله لا يستقيم ، كما قاله الشافعي ، قال : كيف يستقيم أنه عليه السلام صلى على حمزة سبعين صلاة ، إذا كان يؤتى بتسعة ، وحمزة عاشرهم ، وشهداء أحد إنما كانوا اثنين وسبعين شهيدا ، فإذا صلى عليهم عشرة عشرة ، فالصلاة إنما تكون سبع صلاة ، أو ثمانيا ، فمن أين جاءت سبعون صلاة ؟ ، قال البيهقي : وأما رواية ابن إسحاق عن بعض أصحابه عن مقسم عن ابن عباس ، فذكر نحو ذلك ، فهو منقطع ، ولا يعرج بما يرويه ابن إسحاق إذا لم يذكر اسم راويه ، لكثرة روايته عن الضعفاء المجهولين ، والأشبه أن تكون الروايتان غلطا ، لمخالفتهما الرواية الصحيحة عن جابر أنه عليه السلام لم يصل عليهم ، وهو كان قد شهد [ ص: 367 ] القصة ، وأما ما روى البخاري عن عقبة بن عامر { أنه عليه السلام صلى على قتلى أحد صلاته على الميت } ، فكأنه عليه السلام وقف على قبورهم ، ودعا لهم ، ولا يدل ذلك على نسخ ، وأما ما روي عن شداد بن الهاد في صلاة النبي عليه السلام على أعرابي أصابه سهم ، فيحتمل أن يكون بقي حيا حتى انقطعت الحرب ، ونحن نصلي على المريث ، وعلى الذي يقتل ظلما في غير معرك . انتهى .

قلت : يستقيم هذا على الرواية الأخرى ، أنه كان يصلي عليه ، وعلى آخر معه ، حتى صلى عليه سبعين صلاة ، كما تقدم في مسند أحمد وغيره وأما كون شهداء أحد كانوا سبعين رجلا فمسلم ، ذكره ابن هشام في السيرة ، نقلا عن ابن إسحاق ، وسماهم بأسمائهم ، واحدا بعد واحد .

وقال ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا أبو الأحوص ثنا سعيد بن مسروق عن أبي الضحى ، قال : قتل يوم أحد سبعون رجلا ، منهم أربعة من المهاجرين : حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ، وشماس بن عثمان المخزومي . وعبد الله بن جحش الأسدي . انتهى .

{ حديث آخر } مرسلا : أخرجه أبو داود في " المراسيل " عن عطاء بن أبي رباح { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد }. انتهى .

حديث آخر : أخرجه النسائي عن شداد بن الهاد التابعي { أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ، وذكر الحديث ، وفيه : أنه استشهد ، فصلى عليه النبي عليه السلام }.

{ حديث آخر } : رواه الواقدي في كتاب المغازي حدثني الثوري عن الزبير بن عدي عن عطاء { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى بدر }. انتهى .

وحدثني عبد ربه بن عبد الله عن عطاء عن ابن عباس مثله . انتهى .

وفيه أيضا في غزوة أحد من غير سند ، { قال جابر بن عبد الله : كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين يوم أحد ، قتله سفيان بن عبد شمس ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهزيمة }. انتهى .

[ ص: 368 ] حديث آخر } : روى الواقدي رحمه الله في " كتاب فتوح الشام " حدثني رويم بن عامر عن سعيد بن عاصم عن عبد الرحمن بن بشار عن الواقصي عن سيف مولى ربيعة بن قيس اليشكري قال : كنت في الجيش الذي وجهه أبو بكر الصديق رضي الله عنهم ع عمرو بن العاص إلى أيلة ، وأرض فلسطين ، فذكر القصة بطولها ، إلى أن قال : فلما نصر الله المسلمين وانكشف القتال ، لم يكن هم المسلمين إلا افتقاد بعضهم بعضا ، ففقدوا من المسلمين مائة وثلاثين نفرا : منهم سيف بن عباد الحضرمي ونوفل بن دارم وسالم بن دويم وسعيد بن خالد ، وهو ابن أخي عمرو بن العاص لأمه ، واغتم عمرو بن العاص لفقدهم اغتماما شديدا ، فلما أصبح النهار أمر عمرو الناس بجمع الغنائم ، وأن يخرجوا إخوانهم من بين الروم ، وبني الأصفر ، فالتقطوهم ، مائة وثلاثين رجلا ، ثم صلى عليهم عمرو بن العاص ، ومن معه من المسلمين ، ثم أمر بدفنهم ، وكان مع عمرو بن العاص من المسلمين تسعة آلاف رجل ، وأرسل عمرو إلى أبي بكر رضي الله عنهما كتابا ، فيه : الحمد لله ، والصلاة على نبيه ، إني وصلت إلى أرض فلسطين ، ولقينا عسكر الروم ، مع بطريق يقال له : روماس في مائة ألف رجل ، فمن الله علينا بالنصر ، وقتلنا منهم أحد عشر ألفا ، وقتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلا ، أكرمهم الله بالشهادة . انتهى .

أحاديث الخصوم : حديث جابر { أنه عليه السلام لم يصل على قتلى أحد } ، رواه البخاري رضي الله عنه وحديث آخر : أخرجه أبو داود من طريق ابن وهب ، أخبرني أسامة بن زيد الليثي ، أن ابن شهاب أخبره أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثه { أن شهداء أحد لم يغسلوا ، ودفنوا بدمائهم ، ولم يصل عليهم }. انتهى . قوله : وقد صح أن حنظلة لما استشهد جنبا غسلته الملائكة ، قلت : روي من [ ص: 369 ] حديث ابن الزبير ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث محمود بن لبيد . فحديث ابن الزبير رضي الله عنهما : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثامن ، من القسم الثالث . والحاكم في " المستدرك " في " كتاب الفضائل " من طريق ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده ، قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، وقد قتل حنظلة بن أبي عامر الثقفي : إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة ، فاسألوا صاحبته فقالت : خرج ، وهو جنب لما سمع الهائعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لذلك غسلته الملائكة }. انتهى . قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم . انتهى .

وليس عنده : فاسألوا صاحبته ، إلى آخره ، قال السهيلي في " الروض الأنف " : وصاحبته هي زوجته ، جميلة بنت أبي ابن سلول ، أخت عبد الله بن أبي ، وكانت قد ابتنى بها تلك الليلة ، فرأت في منامها ، كأن بابا من السماء فتح ، فدخل ، وأغلق دونه ، فعرفت أنه مقتول من الغد ، فلما أصبحت دعت برجال من قومها ، وأشهدتهم أنه دخل بها ، خشية أن يقع في ذلك نزاع ، ذكره الواقدي ، وذكر غيره أنه وجد بين القتلى ، يقطر رأسه ماء ، تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا الخبر تعلق من يقول : إن الشهيد يغسل إذا كان جنبا انتهى .

وهذا الذي نقله عن الواقدي صحيح ، نقله ابن سعد عنه في " الطبقات في ترجمة حنظلة " ، وزاد : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض ، بماء المزن ، في صحاف الفضة ، قال أبو أسيد الساعدي : فذهبنا إليه ، فوجدناه يقطر رأسه ماء ، فرجعت ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلى زوجته ، فذكرت أنه خرج ، وهو جنب }. انتهى .

ولفظ الواقدي في " كتاب المغازي " ، قال : وكان حنظلة بن أبي عامر ، تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول ، ودخل عليها ليلة قتال أحد ، بعد أن استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح جنبا ، وأخذ سلاحه ، ولحق بالمسلمين ، وأرسلت إلى أربعة من قومها ، فأشهدتهم أنه قد دخل بها ، فسألوها ، فقالت : رأيت في ليلتي ، كأن [ ص: 370 ] السماء فتحت ، ثم أدخل ، وأغلقت دونه ، فعرفت أنه مقتول من الغد ، وتزوجها بعده ثابت بن قيس ، فولدت له محمد بن ثابت بن قيس ، فلما انكشف المشركون ، اعترض حنظلة لأبي سفيان ، يريد قتله ، فحمل عليه الأسود بن شعوب بالرمح ، فقتله ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض ، بماء المزن ، في صحاف الفضة ، قال أبو أسيد الساعدي : فذهبنا ، فنظرنا إليه ، فإذا رأسه يقطر ماء ، قال أبو أسيد : فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فأرسل إلى امرأته ، فسألها ، فأخبرته أنه خرج ، وهو جنب }. انتهى .

وأما حديث ابن عباس : فرواه الطبراني في " معجمه " من حديث شريك عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ، قال { أصيب حمزة بن عبد المطلب ، وحنظلة بن الواهب ، وهما جنبان ، فقال النبي عليه السلام : إنى رأيت الملائكة تغسلهما }انتهى . ورواه البيهقي في " سننه " من حديث أبي شيبة عن الحكم به ، نحوه ، والسندان ضعيفان ، وخبر حمزة ذكره الواقدي رحمه الله في " المغازي " ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت الملائكة تغسل حمزة ، لأنه كان جنبا ذلك اليوم ، ولم يغسل الشهداء ، وقال : لفوهم بدمائهم ، وجراحهم ، فإنه ليس أحد يجرح في الله ، إلا جاء يوم القيامة ، وجرحه يثعب دما ، لونه لون الدم ، وريحه ريح المسك }. انتهى .

وأما حديث محمود بن لبيد : فرواه ابن إسحاق في " المغازي " حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن صاحبكم يعني حنظلة بن أبي عامر لتغسله الملائكة ، فاسألوا أهله ما شأنه ؟ فقالت : إنه خرج ، وهو جنب حين سمع الهائعة }. انتهى .

ومن طريق ابن إسحاق ، رواه أبو نعيم في " الحلية في ترجمة أصحاب الصفة " ، وذكره ابن هشام في " السيرة في غزوة أحد " من قول ابن إسحاق ، لم يسنده إلى محمود بن لبيد ، إلا أنه قال : حين سمع الهائعة ، قال : ويقال : الهائعة ، والهيعة : وهي الصوت الشديد عند الفزع ، قال : ومنه الحديث : { خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه ، إذا سمع هيعة طار إليها }. انتهى . وأحمد مع أبي حنيفة [ ص: 371 ] رضي الله عنهما ، في الجنب يغسل ، ومالك والشافعي رضي الله عنهما ، مع الصاحبين رحمهم اللهوأما المرسل : فرواه الإمام قاسم بن ثابت السرقسطي في " آخر كتابه غريب الحديث " حدثنا عبد الله بن علي ثنا محمد بن يحيى ثنا إبراهيم بن يحيى ثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير ، قال : { خرج حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنهم ع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد واقع امرأته فخرج ، وهو جنب لم يغتسل ، فلما التقى الناس لقي حنظلة ، أبو سفيان بن حرب ، فحمل عليه ، فسقط أبو سفيان عن فرسه ، فوثب عليه حنظلة ، وقعد على صدره يذبحه ، فمر به جعونة بن شعوب الكناني ، فاستغاث به أبو سفيان ، فحمل على حنظلة ، فقتله ، وهو يرتجز ، ويقول :

لأحمين صاحبي ونفسي بطعنة مثل شعاع الشمس

}

التالي السابق


الخدمات العلمية