نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 373 ] باب الصلاة في الكعبة ( الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها ) خلافا للشافعي رحمه الله فيهما ، ولمالك في الفرض ; { لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة يوم الفتح }ولأنها صلاة استجمعت شرائطها لوجود استقبال القبلة ; لأن استيعابها ليس بشرط ( فإن صلى الإمام بجماعة فيها فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام ( الكعبة ) جاز ) لأنه متوجه إلى القبلة ، ولا يعتقد إمامه على الخطأ ، بخلاف مسألة التحري ( ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته ) لتقدمه على إمامه ( وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام فتحلق الناس حول الكعبة وصلوا بصلاة الإمام ، فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام ) لأن التقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الجانب .


باب الصلاة في الكعبة

الحديث الأول : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة يوم الفتح } ، قلت : أخرج البخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ، هو وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي رضي الله عنهم ، فأغلقها عليه ، ثم مكث فيها ، قال ابن عمر : فسألت بلالا حين خرج ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعل عمودين عن يساره ، وعمودا عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه ، ثم صلى ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة }. انتهى .

وقال البخاري في رواية : { وعمودا عن يساره ، وعمودا عن يمينه } ، وفي رواية منقطعة : { عمودين عن يمينه }.

قال المنذري في " مختصره " ، ثم الشيخ تقي الدين رحمه الله في " الإمام " : وقد اختلف فيه على مالك فروي عنه : { عمودين عن يمينه ، وعمودا عن يساره } ، وروي عنه : { عمودا عن يمينه ، وعمودا عن يساره } ، رواهما البخاري وروي عنه : { عمودين عن يساره ، وعمودا عن يمينه } ، رواه مسلم ، وأخرجا عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، قال : { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، [ ص: 374 ] فنزل بفناء الكعبة ، وأرسل إلى عثمان بن طلحة ، فجاء بالمفتاح ، ففتح الباب ، قال : ثم دخل النبي عليه السلام ، وبلال ، وأسامة بن زيد ، وعثمان بن طلحة ، وأمر بالباب ، فأغلق ، فلبثوا فيه مليا } ، وللبخاري رضي الله عنه : { فمكثوا فيه نهارا طويلا ، ثم فتح الباب ، قال عبد الله : فبادرت الباب ، فتلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا ، وبلال على إثره ، فقلت لبلال : هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، قلت : أين ؟ قال : بين العمودين ، تلقاء وجهه ، قال : ونسيت أن أسأله ، كم صلى }. انتهى .

وهذا المتن أقرب إلى لفظ المصنف ، وأخرجا عن سالم عن ابن عمر ، قال : أخبرني بلال { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة بين العمودين اليمانيين }انتهى . أخرجا هذه الأحاديث في " الحج " ، وأخرج البخاري في " الصلاة في باب قوله تعالى{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }" عن مجاهد ، قال : { أتى ابن عمر ، فقيل له : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ، فقال ابن عمر : فأقبلت والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج ، وأجد بلالا قائما بين البابين ، فسألت بلالا ، فقلت : أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ؟ قال : نعم ، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت ، ثم خرج ، فصلى في وجه الكعبة ركعتين }. انتهى .

قال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " : هكذا قال ، وأكثر الأحاديث على أنه لم يعلمه كم صلى انتهى . المعارض : أخرجا عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ، وفيها ست سواري فقام عند سارية ، فدعا ، ولم يصل }. انتهى .

وبه عن ابن عباس ، أخبرني أسامة بن زيد ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت ، دعا في نواحيه كلها ، ولم يصل فيه حتى خرج ، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين ، وقال : هذه القبلة } ، مختصر ، وحديث أسامة هذا روى خلافه أحمد في " مسنده " . وابن حبان في " صحيحه " في النوع الخامس عشر ، من القسم الخامس ، عن عمارة بن عمير عن أبي الشعثاء عن ابن عمر ، أخبرني أسامة بن زيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين ، ومكثت معه عمرا لم أسأله كم صلى }انتهى .

وهذا سند صحيح ، وقد يعلل حديث [ ص: 375 ] ابن عباس بالإرسال ، فإنه رواه عن أخيه الفضل بن عباس ، كما رواه أحمد وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " ، ثم الطبراني في " معجمه " من طريق محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح ، أو عن مجاهد عن عبد الله بن عباس ، حدثني أخي الفضل ، وكان مع النبي عليه السلام حين دخل الكعبة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة ، ولكنه لما دخلها وقع ساجدا بين العمودين ، ثم جلس يدعو } ، زاد الطبراني : وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أحب أن أصلي في الكعبة ، من صلى فيها فقد ترك شيئا خلفه ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في الحج " أخبرنا ابن جريج ثنا عمرو بن دينار أن ابن عباس أخبره أنه دخل البيت ، إلى آخره ، قال السهيلي في " الروض الأنف " : أخذ الناس بحديث بلال ، لأنه مثبت ، وقدموه على حديث ابن عباس ، لأنه نفي ، وإنما يؤخذ بشهادة المثبت ، ومن تأول قول بلال رضي الله عنه أنه صلى ، أي دعا ، فليس بشيء ; لأن في حديث ابن عمر أنه صلى ركعتين ، ورواه البخاري ، وقد تقدم قريبا ، ولكن رواية بلال ، ورواية ابن عباس صحيحتان ، ووجههما أنه عليه السلام ، دخلها يوم النحر ، فلم يصل ، ودخلها من الغد ، فصلى ، وذلك في حجة الوداع ، وهو حديث مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، بإسناد حسن ، أخرجه الدارقطني في " سننه " ، وهو من فرائده . انتهى كلامه .

قلت : حديث ابن عمر الذي أشار إليه ، رواه الدارقطني بسنده عن يحيى بن جعدة عن ابن عمر ، قال : { دخل النبي عليه السلام البيت ، ثم خرج ، وبلال خلفه ، فقلت لبلال : هل صلى ؟ قال : لا ، فلما كان من الغد دخل ، فسألت بلالا ، هل صلى ؟ قال : نعم ، صلى ركعتين }انتهى .

وأخرج الدارقطني أيضا ، والطبراني في " معجمه " عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، فصلى بين الساريتين ركعتين ، ثم خرج ، فصلى بين الباب ، والحجر [ ص: 376 ] ركعتين ، ثم قال : هذه القبلة ، ثم دخل مرة أخرى ، فقام يدعو ، ثم خرج ولم يصل }. انتهى .

وفي هذا اللفظ ما يعكر على اللفظ الذي قبله ، قال البيهقي : وهاتان الروايتان إن صحتا ، ففيهما دلالة على أنه عليه السلام دخل البيت مرتين ، فصلى مرة ، وترك مرة ، إلا أن في ثبوت الحديثين نظرا . انتهى . قلت : ويعكر عليهما ما رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " والطبراني في " معجمه " ، قال إسحاق : أخبرنا أحمد بن أيوب عن أبي حمزة عن جابر بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس ، { أن النبي عليه السلام لم يدخل البيت في الحج ، ودخله عام الفتح } ، ولفظ إسحاق : { يوم الفتح يمحو صورا فيه ، فلما دخله أمر بالصور ، فمحيت } ، زاد الطبراني : { فلما نزل ، صلى أربع ركعات ، أو قال : ركعتين بين الحجر والباب ، مستقبل القبلة ، وقال : هذه القبلة }. انتهى .

وفي " البخاري في باب من كبر في نواحي البيت " عن ابن عباس ، قال : { لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى أن يدخل البيت ، وفيه الآلهة ، وأمر بها فأخرجت ، فأخرجوا صورة إبراهيم ، وإسماعيل عليهما السلام وفي أيديهما الأزلام ، فقال عليه السلام : قاتلهم الله ، أما علموا أنهما لم يستقسما بهما قط ، فدخل البيت ، فكبر في نواحيه ، ولم يصل فيه }. انتهى .

فهذا ابن عباس أخبر أنه عليه السلام لم يصل فيه يوم الفتح ، لأن إخراج الصور من البيت إنما كان زمن الفتح ، ومحال أن يكون عام الحج ، والله أعلم . وقال ابن حبان في " صحيحه " : ولا تعارض بين خبر بلال ، وخبر ابن عباس ، بل يحمل حديث ابن عمر على يوم الفتح ، وحديث ابن عباس على حجة الوداع . انتهى وهذا يرده الحديث الذي قبله ، { أنه عليه السلام لم يدخل البيت في الحج }.

أحاديث الباب : روى أبو داود في " سننه " من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن { عبد الرحمن بن صفوان ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة ؟ قال : صلى ركعتين }. انتهى .

ورواه أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، والبزار في " مسانيدهم " ، والطبراني في " معجمه " ، [ ص: 377 ] ولفظهم عن عبد الرحمن بن صفوان ، قال : { لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، قلت : لألبسن ثيابي ، فلأنظرن ما يصنع رسول الله اليوم ، فانطلقت ، فوافيته قد خرج من الكعبة ، وأصحابه معه ، فقلت لعمر : كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة ، قال : صلى ركعتين }انتهى . ويزيد بن أبي زياد فيه مقال .

{ حديث آخر } : رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثامن ، من القسم الخامس ، من حديث { عبد الله بن السائب رضي الله عنه ، قال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، وقد صلى في الكعبة ، فخلع نعليه فوضعهما عن يساره ، ثم افتتح سورة المؤمنون ، فلما بلغ ذكر موسى وعيسى أخذته سعلة ، فركع }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية