نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 169 - 175 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة }من غير فصل . [ ص: 176 ] والذي رواه مالك رحمه الله تعالىورد في بئر بضاعة [ ص: 177 ] وماؤها كان جاريا في البساتين .

وما رواه الشافعي رحمه الله ضعفه أبو داود وهو ضعيف على احتمال النجاسة .


الحديث السابع والثلاثون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة } ، قلت : رواه بهذا اللفظ أبو داود . وابن ماجه من حديث محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة }انتهى .

وهو في " الصحيحين " من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا ، بلفظ : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ، ثم يغتسل فيه } ، وفي لفظ : { ثم يغتسل منه } ، وفي لفظ الترمذي { ثم يتوضأ منه } ، وروى مسلم من حديث أبي السائب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري وهو جنب [ ص: 176 ] فقال : كيف يفعل يا أبا هريرة ؟ قال : يتناوله تناولا } ، وروي أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، { لا يبولن أحدكم في الماء الراكد }انتهى .

وروى البيهقي من حديث ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبال في الماء الراكد . وأن يغتسل فيه من الجنابة }انتهى .

ووهم شيخنا علاء الدين مقلدا لغيره في عزوه هذا الحديث لمسلم عن طلحة ، وإنما رواه مسلم عن أبي هريرة ، وروي بعضه عن جابر ، ولم يخرج مسلم لطلحة في " كتابه " إلا خمسة أحاديث ، ليس هذا منها : فأولها حديث : { جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس }أخرجه في " كتاب الإيمان " وشاركه فيه البخاري ، ثم حديث : " الصلاة إلى مؤخرة الرحل " أخرجه في " الصلاة " ثم حديث { أهدي لنا طير ونحن حرم }أخرجه في " الحج " ثم حديث " { لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد } ، وحديث { مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل }أخرجهما في " الفضائل " فالمقلد ذهل ، والمقلد جهل ؟

قوله : وما رواه مالك ، ورد في بئر بضاعة ، وماؤها كان جاريا بين البساتين ، قلت : يريد بما رواه مالك حديث : { الماء طهور لا ينجسه شيء }وقد تقدم أول الباب ، ووروده في بئر بضاعة أخرجه أبو داود . والترمذي . والنسائي عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن { أبي سعيد الخدري ، قال : قيل : يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة ، وهي تلقى فيها الحيض . ولحوم الكلاب . والنتن ؟ فقال عليه السلام : إن الماء طهور لا ينجسه شيء }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن انتهى . وضعف ابن القطان في " كتابه الوهم والإيهام " هذا الحديث ، وقال : إن في إسناده اختلافا ، فقوم يقولون : عبيد الله بن عبد الله بن رافع ، وقوم يقولون : عبد الله بن عبد الله بن رافع ، ومنهم من يقول : عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ، ومنهم من يقول : عبد الله ، ومنهم من يقول : عن عبد الرحمن بن رافع ، قال : فيحصل فيه خمسة أقوال ، وكيفما كان فهو لا يعرف له حال ، ولا عين ، وله إسناد صحيح من رواية سهل بن سعد ، قال قاسم بن أصبغ : حدثنا محمد بن وضاح ثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن { سهل بن سعد ، قال : قالوا : يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة ، وفيها ما ينجي الناس . والمحايض . والخبث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الماء لا ينجسه شيء }. قال قاسم : هذا أحسن شيء في بئر بضاعة انتهى كلامه . [ ص: 177 ]

وذكر البيهقي في " سننه " ما وقع في هذا الحديث من الاختلاف في " باب الماء الكثير لا ينجس بنجاسة تحدث فيه " وأطال فيه ، ثم أخرجه عن حاتم بن إسماعيل ثنا { محمد بن أبي يحيى عن أمه قالت : دخلت على سهل بن سعد في نسوة ، فقال : لو أني أسقيكم من بئر بضاعة لكرهتم ذلك ، وقد والله سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي منها } ، ثم قال : وهذا إسناد حسن موصول انتهى . وقول صاحب الكتاب :

إن ماءها كان جاريا بين البساتين هذا ، رواه الطحاوي في " شرح الآثار " عن الواقدي ، فقال : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي عمران عن أبي عبد الله محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي ، قال : كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين انتهى .

وهذا سند ضعيف . ومرسل ، ومدلوله على جريانها غير ظاهر ، قال البيهقي في " المعرفة " : وزعم الطحاوي أن بئر بضاعة كان ماؤها جاريا لا يستقر ، وأنها كانت طريقا إلى البساتين . ونقل ذلك عن الواقدي ، والواقدي لا يحتج بما يسنده ، فضلا عما يرسله ، وحال بئر بضاعة مشهور بين أهل الحجاز ، بخلاف ما حكاه انتهى .

وقول صاحب الكتاب : وما رواه الشافعي ضعفه أبو داود ، هذا غير صحيح فإن أبا داود روى حديث القلتين وسكت عنه ، فهو صحيح عنده على عادته في ذلك ، ثم أردفه بكلام دل على تصحيحه له ، وتضعيفه لمذهب مخالفه ، فقال : قال قتيبة بن سعيد : سألت : قيم بئر بضاعة عن عمقها ؟ فقال : أكثر ما يكون فيها الماء إلى [ العانة ] ، فإذا نقص كان إلى العورة ، قال أبو داود : ومددت ردائي عليها ، ثم ذرعته ، فإذا عرضها ستة أذرع ، وسألت الذي فتح باب البستان هل غير بناؤها عما كانت عليه ؟ فقال : لا ، ورأيت فيها ماء متغير اللون انتهى . وجهل من عزا حديث بئر بضاعة لابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية