نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 502 - 505 ] فصل في مقدار الواجب ووقته ( الفطرة نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير ) وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: الزبيب بمنزلة الشعير ، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، والأول رواية الجامع الصغير ، وقال الشافعي [ ص: 506 ] رضي الله عنه : من جميع ذلك صاع ; لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : { كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم }. ولنا ما روينا . [ ص: 507 - 516 ] وهو مذهب جماعة من الصحابة ، وفيهم الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم أجمعين ، وما رواه محمول على الزيادة تطوعا ، ولهما في الزبيب أنه والتمر يتقاربان في المقصود .

وله أنه والبر يتقاربان في المعنى ; لأنه يؤكل كل واحد منهما بجميع أجزائه ، بخلاف الشعير والتمر ; لأن كل واحد منهما يؤكل ويلقى من التمر النواة ومن الشعير النخالة ، وبهذا ظهر التفاوت بين البر والتمر ، ومراده من الدقيق والسويق ما يتخذ من البر ، أما دقيق الشعير فكالشعير ، والأولى أن يراعى فيهما القدر والقيمة احتياطا وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار ، لم يبين ذلك في الكتاب اعتبارا للغالب ، والخبز تعتبر فيه القيمة ، هو الصحيح . ثم يعتبر نصف صاع من بر وزنا فيما يروى عن أبي حنيفة رحمه الله .

وعن محمد رحمه الله أن يعتبر كيلا . والدقيق أولى من البر ، والدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف رحمه الله ، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر رحمه الله ; لأنه أدفع للحاجة وأعجل به .

وعن أبي بكر الأعمش رحمه الله تفضيل الحنطة ; لأنه أبعد من الخلاف ، إذ في الدقيق والقيمة خلاف الشافعي رحمه الله .


[ ص: 505 ] فصل في مقدار الواجب ووقته الحديث الخامس : روى أبو سعيد الخدري ، قال : كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : أخرجه الأئمة الستة عنه مختصرا ومطولا ، قال : { كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير ، حر أو مملوك : صاعا من طعام ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا ، أو معتمرا ، فكلم الناس على المنبر ، فكان فيما كلم به الناس ، أن قال : إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر } ، فأخذ الناس بذلك ، قال أبو سعيد : أما أنا فإني لا أزال أخرجه أبدا ما عشت ، قال أبو داود . وذكر فيه رجل واحد عن ابن علية ، أو صاع حنطة ، وليس بمحفوظ ، وذكر معاوية بن هشام : نصف صاع من بر ، وهو وهم من معاوية بن هشام ، أو ممن رواه عنه . انتهى كلامه . وقد أساء عبد الحق في " أحكامه " إذ قال : زاد أبو داود في هذا الحديث : أو صاع حنطة ; لأن هذا يوهم أن هذه الزيادة متصلة عند أبي داود ، وليس كذلك ، هكذا تعقبه عليه ابن القطان ، والله أعلم ، وحجة الشافعية من هذا الحديث في قوله : صاعا من طعام ، قالوا : والطعام في العرف هو الحنطة ، سيما وقد وقع في رواية للحاكم : صاعا من حنطة ، وهي التي أشار إليها أبو داود ، أخرجه في " المستدرك " من طريق أحمد بن حنبل عن ابن علية عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن عبد الله ، قال : { قال أبو سعيد ، وذكر عنده صدقة الفطر ، فقال : لا أخرجه إلا ما كنت أخرجه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر ، أو صاعا من حنطة ، أو صاعا من شعير ، فقال له رجل من القوم : أو مدين من قمح ؟ فقال : لا ، تلك قيمة معاوية ، أقبلها ولا أعمل بها }. انتهى . وصححه ، ورواه الدارقطني في " سننه " من حديث يعقوب الدورقي عن ابن علية به سندا ومتنا ، ومن الشافعية من جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن [ ص: 506 ] معاوية جعل نصف صاع من الحنطة عدل صاع من التمر والزبيب ، قال النووي في " شرح مسلم " : هذا الحديث معتمد أبي حنيفة ، ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي ، وقد خالفه أبو سعيد ، وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه ، وأعلم بحال النبي عليه السلام ، وقد أخبر معاوية بأنه رأي رآه ، لا قول سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى كلامه .

قلنا : أما قولهم : إن الطعام في العرف هو الحنطة ، فممنوع ، بل الطعام يطلق على كل مأكول ، وهنا أريد به أشياء ليست الحنطة منها ، بدليل ما جاء فيه عند البخاري عن أبي سعيد ، قال : { كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام }.

قال أبو سعيد : وكان طعامنا الشعير ، والزبيب ، والأقط ، والتمر ، انتهى . قال الشيخ في " الإمام " : روى ابن خزيمة في " مختصر المختصر " بسند صحيح من حديث فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال : لم تكن الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التمر ، والزبيب ، والشعير ، ولم تكن الحنطة . انتهى .

وأما ما رواه الحاكم فيه : { أو صاعا من حنطة } ، فقد أشار أبو داود إلى هذه الرواية في " سننه " وضعفها ، فقال : وذكر فيه رجل واحد عن ابن علية : أو صاع حنطة ، وليس بمحفوظ ، انتهى .

وقال ابن خزيمة فيه : وذكر الحنطة في هذا الخبر غير محفوظ ، ولا أدري ممن الوهم . وقول الرجل له : أو مدين من قمح ، دال على أن ذكر الحنطة في أول الخبر خطأ ووهم ، إذ لو كان صحيحا لم يكن لقوله : أو مدين من قمح معنى . انتهى .

نقله الشيخ في " الإمام " عنه ، وقد عرف تساهل الحاكم في تصحيح الأحاديث المدخولة ، وقول النووي : إنه فعل صحابي ، قلنا : قد وافقه غيره من الصحابة الجم الغفير ، بدليل قوله في الحديث : فأخذ الناس بذلك ، ولفظ : الناس للعموم ، فكان إجماعا . وكذلك ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى ، والحر والمملوك صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، فعدل الناس به مدين من حنطة } ، ولا يضر مخالفة أبي سعيد لذلك ، بقوله : أما أنا فلا أزال أخرجه ; لأنه لا يقدح في الإجماع ، سيما إذا كان فيه الخلفاء الأربعة ، أو نقول : أراد بالزيادة على قدر الواجب تطوعا ، والله أعلم . وقوله : ولنا ما روينا ، يشير إلى حديث عبد الله بن ثعلبة المتقدم أول الكتاب .

[ ص: 507 ] أحاديث الباب : أخرج أبو داود ، والنسائي عن حميد الطويل عن الحسن عن ابن عباس أنه خطب في آخر رمضان على المنبر بالبصرة ، فقال أخرجوا صدقة صومكم ، فكأن الناس لم يعلموا . قال : من ها هنا من أهل المدينة ؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم ، فإنهم لا يعلمون . { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقة صاعا من تمر ، أو شعير ، أو نصف صاع من قمح على كل حر أو مملوك ، ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير }. فلما قدم علي رأي رخص السعر ، فقال : قد أوسع الله عليكم ، فلو جعلتموه صاعا من كل شيء . قال حميد : وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام . انتهى . قال النسائي : والحسن لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما . قال الحاكم : أخبرنا الحسن بن محمد الإسفراييني ثنا محمد بن أحمد بن البراء ، قال : سمعت علي بن المديني سئل عن هذا الحديث ، فقال : الحسن لم يسمع من ابن عباس ، ولا رآه قط ، كان بالمدينة أيام كان ابن عباس على البصرة . قال : وقول الحسن : خطبنا ابن عباس بالبصرة ، هو كقول ثابت : قدم علينا عمران بن الحصين ، ومثل قول مجاهد : خرج علينا علي ، وكقول الحسن : إن سراقة بن مالك حدثهم . وإنما قوله : خطبنا ، أي خطب أهل البصرة . انتهى .

وقال صاحب " تنقيح التحقيق " : الحديث رواته ثقات مشهورون ، لكن فيه إرسالا ، فإن الحسن لم يسمع من عباس على ما قيل ، وقد جاء في مسند أبي يعلى الموصلي في حديث عن الحسن ، قال : أخبرني ابن عباس ، وهذا إن ثبت دل على سماعه منه . انتهى كلامه . وقال البزار في " مسنده " ، بعد أن رواه : لا يعلم روى الحسن عن ابن عباس غير هذا الحديث ، ولم يسمع الحسن من ابن عباس ، وقوله : خطبنا أي خطب أهل البصرة ولم يكن الحسن شاهدا لخطبته ، ولا دخل البصرة بعد ; لأن ابن عباس خطب يوم الجمل ، والحسن دخل أيام صفين . انتهى .

طريق آخر : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن يحيى بن عباد السعدي ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث صارخا بمكة صاح : إن صدقة الفطر حق واجب : مدان من قمح ، أو صاع من شعير ، أو تمر }. انتهى . ورواه البزار [ ص: 508 ] بلفظ : { أو صاع مما سوى ذلك من الطعام } ، وصححه الحاكم ، وقد تقدم . ورواه البيهقي ، وقال : تفرد به يحيى بن عباد عن ابن جريج ، وإنما رواه غيره عن ابن جريج عن عطاء من قوله في المدين . وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : وقد تكلم العقيلي في يحيى هذا ، وضعفه ، وكذلك ضعفه الدارقطني ، قال الأزدي : منكر الحديث جدا عن ابن جريج . انتهى . طريق آخر : أخرجه الدارقطني عن الواقدي ثنا عبد المجيد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو مدين من قمح }انتهى . وأعل بالواقدي .

طريق آخر : أخرجه الدارقطني عن سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ، ذكر أو أنثى : نصف صاع من بر ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعير }. انتهى . وهو معلول بسلام الطويل .

{ حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي عليه السلام بعث مناديا ينادي في فجاج مكة : ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، صغير أو كبير ، مدان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام }. انتهى . وقال : حسن غريب

وأعله ابن الجوزي في " التحقيق " بسالم بن نوح ، قال : قال ابن معين : ليس بشيء ، وتعقبه صاحب " التنقيح " ، فقال : هو صدوق ، روى له مسلم في " صحيحه " ، وقال أبو زرعة : صدوق ثقة ، ووثقه ابن حبان وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : فيه شيء ، وقال ابن عدي : عنده غرائب وأفراد ، وأحاديثه مقاربة مختلفة . طريق آخر : أخرجه الدارقطني عن علي بن صالح عن ابن جريج عن عمرو بن [ ص: 509 ] شعيب عن أبيه عن جده ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صائحا ، فصاح : إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم : مدان من قمح ، أو صاع من شعير ، أو تمر }انتهى .

قال ابن الجوزي : وعلي بن صالح ضعفوه ، قال صاحب " التنقيح " : هذا خطأ منه ، ولا نعلم أحدا ضعفه ، لكنه غير مشهور الحال ، قال ابن أبي حاتم : علي بن صالح روى عن ابن جريج ، وروى عنه معتمر بن سليمان ، سألت أبي عنه ، فقال : مجهول لا أعرفه ، وذكر غير أبي حاتم أنه مكي معروف ، وهو أحد العباد ، وكنيته أبو الحسن ، وروي عن عمرو بن دينار ، وعبد الله بن عثمان بن خيثم ، ويحيى بن جرجة ، والأوزاعي ، وعبيد الله بن عمر ، وجماعة ، وروى عنه سعيد بن سالم القداح ، ومعتمر بن سليمان ، وسفيان الثوري ، وروى له الترمذي في " جامعه " ، وذكره ابن حبان في " كتاب الثقات " ، وقال : يعرف ، وتوفي سنة إحدى وخمسين ومائة ، انتهى .

ورواه البيهقي كذلك عن المعتمر بن سليمان عن علي بن صالح ، قال : ورواه سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ، ثم قال : قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال ابن جريج : لم يسمع من عمرو بن شعيب . انتهى كلامه .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب { أن النبي عليه السلام أمر صارخا يصرخ }. الحديث .

ومن طريق عبد الرزاق : رواه الدارقطني في " سننه " هكذا معضلا ، وأخرجه الدارقطني أيضا عن عبد الوهاب هو ابن عطاء أنا ابن جريج قال : قال عمرو بن شعيب : بلغني { أن النبي عليه السلام أمر صارخا يصرخ } ، الحديث .

{ حديث آخر } : رواه الإمام أحمد في " مسنده " من طريق ابن المبارك أنا ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم ، قالت : { كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح ، بالمد الذي [ ص: 510 ] يقتاتون به }انتهى .

وضعفه ابن الجوزي بابن لهيعة ، قال صاحب " التنقيح " : وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة ، سيما إذا كان من رواية إمام مثل ابن المبارك عنه ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري ، ومسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى ، والحر والمملوك : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، فعدل الناس به مدين من حنطة }. انتهى .

طريق آخر : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن سليمان بن موسى أن نافعا أخبره عن ابن عمر ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم في زكاة الفطر بنصف صاع من حنطة ، أو صاع من تمر }. انتهى . قال البيهقي : هذا لا يصح ، وكيف يصح ورواية الجماعة عن نافع عن ابن عمر أن تعديل الصاع بمدين من حنطة إنما كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعله ابن الجوزي بسليمان بن موسى ، قال : قال ابن المديني : مطعون عليه ، وقال البخاري : عنده مناكير . طريق آخر : أخرجه أبو داود ، والنسائي عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو زبيب ، فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة ، جعل نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء }. انتهى . وأعله ابن الجوزي بعبد العزيز ، قال : قال ابن حبان : كان يحدث عن التوهم ، فسقط الاحتجاج به ، وقد تقدم في حديث أبي سعيد ، أنه إنما عدل القيمة في الصاع معاوية ، فأما عمر فإنه كان أشد اتباعا للأثر من أن يفعل ذلك . انتهى .

قال صاحب " التنقيح " : وعبد العزيز هذا وإن كان ابن حبان تكلم فيه ، فقد وثقه يحيى بن سعيد القطان ، وابن معين ، وأبو حاتم الرازي [ ص: 511 ] وغيرهم ، والموثقون له أعرف من المضعفين ، وقد أخرج له البخاري استشهادا . انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي عليه السلام ، { أنه قال في صدقة الفطر : نصف صاع من بر ، أو صاع من تمر }. انتهى . والحارث معروف ، قال الدارقطني : والصحيح موقوف ، ثم أخرجه عن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي إسحاق به موقوفا .

وقال في " كتاب العلل " : هذا حديث يرويه أبو إسحاق ، واختلف عليه ، فرواه أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، وقال فيه : نصف صاع من بر ، ثم اختلف عنه ، فرفعه أبو بكر محمد بن عبد الله بن غيلان البزار عن أبي بكر بن عياش ، ووهم في رفعه ، وغيره يرويه موقوفا ، ورواه أبو العميس عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، وقال فيه : صاعا من حنطة ، ووقفه أيضا ، والصحيح موقوف . انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من كان عنده شيء فليتصدق بنصف صاع من بر ، أو صاع من شعير ، أو صاع من تمر ، أو صاع من دقيق ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من سلت . انتهى . قال الدارقطني : لم يروه بهذا الإسناد غير سليمان بن أرقم ، وهو متروك الحديث انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن أحمد بن رشدين ثنا سعيد بن عفير ثنا الفضل بن المختار حدثني عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك عن النبي عليه السلام { في صدقة الفطر : مدان من قمح ، أو صاع من شعير ، أو تمر ، أو زبيب }. انتهى .

وأعله ابن الجوزي بالفضل بن مختار ، قال أبو حاتم : يحدث بالأباطيل ، وهو مجهول .

{ حديث آخر } : مرسل ، رواه أبو داود في " مراسيله " حدثنا قتيبة أنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر مدين من حنطة }. انتهى . قال ابن الجوزي : وهذا مع إرساله يحتمل أن يكون قوله : مدين من [ ص: 512 ] حنطة تفسيرا من سعيد ، قال صاحب " التنقيح " قد جاء ما يرد هذا ، فرواه سعيد بن منصور حدثنا هشيم عن عبد الخالق الشيباني ، قال : سمعت سعيد بن المسيب ، يقول : { كانت الصدقة تدفع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر نصف صاع من بر } ، ورواه الطحاوي ، ورواه أبو عبيد في " كتاب الأموال " حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا عبد الخالق بن سلمة الشيباني به ، قال : { كانت صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : صاع تمر ، أو نصف صاع حنطة عن كل رأس }. انتهى .

وقال هشيم : أخبرني سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : { خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر صدقة الفطر ، فحض عليها ، وقال : نصف صاع من بر ، أو صاع تمر ، أو شعير عن كل حر وعبد ، ذكر أو أنثى }. قال الطحاوي : حدثنا المزني ثنا الشافعي عن يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن عقيل بن خالد ، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { فرض زكاة الفطر مدين من حنطة }انتهى .

قال في " التنقيح " : وهذا المرسل إسناده صحيح كالشمس ، وكونه مرسلا لا يضر ، فإنه مرسل سعيد ، ومراسيل سعيد حجة . انتهى .

ومن طريق الشافعي أيضا رواه البيهقي ، ونقل عن الشافعي رضي الله عنه ، قال : حديث مدين خطأ ، قال البيهقي : وهو كما قال ، فإن الأخبار الثابتة تدل على أن التعديل بمدين كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .

قال الشيخ في " الإمام " : وهذا طريق استدلالي غير راجع إلى حال الرواة ، وإلا فالسند كله رجال الصحيح ، ومراسيل سعيد اشتهر تقويتها ، وكلام الشافعي فيها ، والله أعلم انتهى كلامه . وفي الباب { حديث آخر } : رواه ابن سعد في " الطبقات " ، وسيأتي في آخر الباب إن شاء الله تعالى .

أحاديث الخصوم : أولها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في " أول الفصل " .

{ حديث آخر } : أخرجه الحاكم في " المستدرك " ، وصححه عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { فرض زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من بر ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين } ، [ ص: 513 ] انتهى .

وأخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي ، قال البيهقي : هكذا قاله سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وذكر البر فيه ليس بمحفوظ ، قال الحاكم : وأشهر منه حديث أبي معشر عن نافع الذي علونا فيه ، لكني تركته ، لأنه ليس من شرط هذا الكتاب . انتهى . وهذا الذي أشار إليه ، رواه في " علوم الحديث " له ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى .

طريق آخر : أخرجه الدارقطني عن مبارك بن فضالة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { فرض على الذكر والأنثى ، والحر والعبد صدقة رمضان : صاعا من تمر ، أو صاعا من طعام }. انتهى .

قال ابن الجوزي : والطريقان ضعيفان ، ففي الأول : سعيد بن عبد الرحمن ، قال ابن حبان فيه : كان يروي عن عبيد الله بن عمر ، وغيره من الثقات أشياء موضوعة ، يتخيل من يسمعها أنه كان المعتمد لها ، انتهى .

وفي الثاني : مبارك بن فضالة ، كان أحمد يضعفه ، ولا يعبأ به ، وضعفه النسائي ، وابن معين . وتعقبه صاحب " التنقيح " فقال : أما سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فروى له مسلم في " صحيحه " ، ووثقه ابن معين ، وهو أعلم من ابن حبان . وقال أحمد ، والنسائي : ليس به بأس . وقال ابن عدي : له أحاديث غرائب حسان ، وأرجو أنها مستقيمة ، ولكنه يهم في الشيء ، فيرفع موقوفا ، ويرسل مرسلا ، لا عن تعمد ، وأما مبارك بن فضالة ، فقد حسن أمره غير واحد من الأئمة ، قال الفلاس : سمعت عفان يقول : كان مبارك بن فضالة ثقة ، وسمعت يحيى بن سعيد القطان يحسن الثناء عليه ، وسئل أبو زرعة عنه ، فقال : يدلس كثيرا ، فإذا قال حدثنا ، فهو ثقة . طريق آخر : أخرجه الطحاوي في " المشكل " عن ابن شوذب عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر ، على الحر والعبد ، والصغير والكبير ، والذكر والأنثى : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من بر ، قال : ثم عدل الناس ، نصف صاع من بر : بصاع مما سواه }انتهى .

[ ص: 514 ] قال الطحاوي : لا نعلم أحدا من أصحاب أيوب تابع ابن شوذب على زيادة البر فيه ، وقد خالفه حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة عن أيوب ، وكل واحد منهما حجة عليه ، وليس هو حجة عليهما ، فكيف وقد اجتمعا ؟ وأيضا ففي حديثه ما يدل على خطئه ، وهو قوله : ثم عدل الناس نصف صاع من بر ، بصاع مما سواه ، فكيف يجوز أن يعدلوا صنفا مفروضا ، ببعض صنف مفروض منه ؟ ، وإنما يجوز أن يعدل المفروض بما سواه مما ليس بمفروض . انتهى .

طريق آخر : أخرجه الحاكم في كتابه " علوم الحديث " عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر ، قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج صدقة الفطر ، وفيه : أو صاع من قمح } ، مختصر ، وسيأتي بتمامه في " آخر الباب " إن شاء الله تعالى .

{ حديث آخر } : أخرجه الحاكم في " المستدرك " أيضا ، وصححه عن بكر بن الأسود ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن النبي عليه السلام حض على صدقة رمضان ، على كل إنسان : صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو صاع من قمح }انتهى .

ورواه الدارقطني ، وقال : بكر بن الأسود ليس بالقوي ، والأكثر على تضعيف سفيان بن حسين في روايته عن الزهري ، قال النسائي : ليس به بأس إلا في الزهري ، وقال ابن عدي : هو في غير الزهري صالح الحديث ، وفي الزهري يروي أشياء خالف فيها الناس ، وقد استشهد به البخاري في " الصحيح " ، وروى له في " الأدب وفي القراءة خلف الإمام " ، وروى له مسلم في " مقدمة كتابه " ، وبكر بن الأسود وإن تكلم فيه الدارقطني ، فقد قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : صدوق .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن هشام عن محمد بن سيرين عن ابن عباس ، قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعطي صدقة رمضان ، عن الصغير والكبير ، والحر والمملوك : صاعا من طعام ، من أدى برا قبل منه ، ومن أدى شعيرا قبل منه ، ومن أدى زبيبا قبل منه ، [ ص: 515 ] ومن أدى سلتا ، قبل منه }. انتهى .

قال في " التنقيح " : رجاله ثقات ، غير أن فيه انقطاعا ، قال أحمد ، وابن المديني ، وابن معين ، والبيهقي : محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئا ، وقال ابن أبي حاتم في " علله " : سألت أبي عن هذا الحديث ، فقال : حديث منكر انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ، قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، على كل صغير وكبير : صاعا من تمر ، أو صاعا من طعام أو صاعا من زبيب }انتهى .

وكثير هذا مجمع على تضعيفه ، ولم يوافق الترمذي على تصحيح حديثه في موضع ، وتحسينه في آخر ، قال أحمد : ليس بشيء ، وقال الشافعي رحمه الله : هو ركن من أركان الكذب ، وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال النسائي ، والدارقطني : متروك ، وإسحاق الحنيني أيضا تكلم فيه البخاري ، والنسائي ، والأزدي ، وابن معين .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن عمر بن محمد بن صهبان ، أخبرني ابن شهاب الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أخرجوا زكاة الفطر : صاعا من طعام } ، قال : { وطعامنا يومئذ : البر ، والتمر والزبيب ، والأقط }. انتهى . وعمر بن صهبان ، قال أحمد : ليس بشيء ، وقال ابن معين : لا يساوي فلسا ، وقال النسائي ، والرازي ، والدارقطني : متروك .

{ حديث آخر } : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن الحارث عن علي عن النبي عليه السلام { في صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ، حر أو عبد : صاع من بر ، أو صاع من تمر ، }انتهى . والحارث لا يحتج به ، وأخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي مرفوعا وموقوفا ، وقالا : الصحيح موقوف ، وقد تقدم كلام الدارقطني في " علله " بتمامه ، وفي لفظة أيضا [ ص: 516 ] اختلاف ، فعند الحاكم هكذا : صاع ، وفي " سنن الدارقطني " أو نصف صاع .

قوله : وهو مذهب جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، فيهم الخلفاء الراشدون . قلت : أما حديث أبي بكر : فأخرجه البيهقي ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه أخبرنا معمر عن أبي قلابة عن أبي بكر أنه أخرج زكاة الفطر : مدين من حنطة ، وأن رجلا أدى إليه صاعا بين اثنين . انتهى .

قال البيهقي : هذا منقطع . وأما حديث عمر : فأخرجه أبو داود والنسائي عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : صاعا من شعير ، أو تمر ، أو سلت ، أو زبيب ، قال عبد الله : فلما كان عمر ، وكثرت الحنطة جعل [ ص: 517 ] عمر : نصف صاع حنطة ، مكان : صاع من تلك الأشياء }. انتهى . وقد تقدم . وأخرج الطحاوي عن عمر أنه قال لنافع : إنما زكاتك على سيدك ، أن نؤدي عنك عند كل فطر صاعا من تمر ، أو شعير ، أو نصف صاع بر . انتهى .

وأما حديث عثمان : فأخرجه الطحاوي عنه ، أنه قال في خطبته : { أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة } ، قال البيهقي : هو موصول عنه . وأما حديث علي : فأخرجه الطحاوي أيضا ، وأخرجه عبد الرزاق عنه أيضا ، قال : على من جرت عليه نفقتك : نصف صاع من بر ، أو صاع من شعير ، أو تمر . وأخرج عبد الرزاق عن ابن الزبير ، قال : زكاة الفطر مدان من قمح ، أو صاع من تمر ، أو شعير ، وأخرج نحوه عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وروي أيضا أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : { زكاة الفطر على كل حر وعبد ، ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، فقير أو غني : صاع من تمر ، أو نصف صاع من قمح }.

قال معمر : وبلغني أن الزهري كان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .

قال الشيخ في " الإمام " : وهذا الخبر الوقف فيه متحقق ، وأما الرفع فإنه بلاغ ، لم يبين معمر من حدثه به ، فهو منقطع . انتهى .

وأخرج أيضا عن مجاهد ، قال : كل شيء سوى الحنطة ، ففيه صاع ، والحنطة نصف صاع ، وأخرج نحوه عن طاوس ، وابن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وسعيد بن جبير ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن . وأخرجه الطحاوي عن جماعة كثيرة ، ثم قال : وما علمنا أحدا من الصحابة ، والتابعين روي عنه خلاف ذلك . وقال البيهقي رحمه الله : وقد وردت أخبار عن النبي عليه السلام في صاع من بر ، ووردت أخبار في نصف صاع ، ولا يصح شيء من ذلك ، وقد بينا علة كل واحد [ ص: 518 ] منهما في " في الخلافيات " . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية