نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 517 - 518 ] قال ( والصاع عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللهثمانية أرطال بالعراقي ، وقال أبو يوسف رحمه الله : خمسة أرطال وثلث رطل ) وهو قول الشافعي رحمه الله ، لقوله عليه الصلاة والسلام { صاعنا أصغر الصيعان } ، ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام { كان يتوضأ بالمد رطلين ، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال }. [ ص: 519 - 520 ] وهكذا كان صاع عمر رضي الله عنه ، وهو أصغر من الهاشمي ، وكانوا يستعملون الهاشمي .


الحديث السادس : قال عليه السلام { صاعنا أصغر الصيعان } ، قلت : غريب ، روى ابن حبان في " صحيحه " في النوع التاسع والعشرين ، من القسم الرابع عن ابن خزيمة بسنده عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله ، صاعنا أصغر الصيعان ، ومدنا أكبر الأمداد ، فقال : اللهم بارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا ، واجعل لنا مع البركة بركتين }. انتهى . قال ابن حبان : وفي ترك المصطفى عليه السلام الإنكار عليهم ، حيث قالوا : صاعنا أصغر الصيعان ، بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان ، ولم نجد بين أهل العلم إلى يومنا هذا خلافا في قدر الصاع ، إلا ما قاله الحجازيون ، والعراقيون ، فزعم الحجازيون أن الصاع خمسة أرطال وثلث ، وقال العراقيون : ثمانية أرطال ، فصح أن صاع النبي عليه السلام كان خمسة أرطال وثلثا إذ هو أصغر الصيعان ، وبطل قول من زعم : أن الصاع ثمانية أرطال من غير دليل ثبت على صحته . انتهى .

وأخرج الدارقطني في " سننه " : عن عمران بن موسى الطائي ثنا إسماعيل بن سعيد الخراساني ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، قال : قلت لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله ، كم وزن صاع النبي عليه السلام ؟ قال : خمسة أرطال وثلث بالعراقي ، أنا حزرته ، قلت : يا أبا عبد الله خالفت شيخ القوم ، قال من هو ؟ قلت : أبو حنيفة رضي الله عنه ، يقول : ثمانية أرطال ، فغضب غضبا شديدا ، وقال : قاتله الله ، ما أجرأه على الله ، ثم قال لبعض جلسائه : يا فلان ، هات صاع جدك ، ويا فلان ، هات صاع عمك ، ويا فلان ، هات صاع جدتك ، فاجتمعت أصوع ، فقال مالك تحفظون في هذه ؟ فقال أحدهم : حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر : حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك أنا حزرت هذه ، فوجدتها خمسة أرطال وثلثا ، قلت يا أبا عبد الله أحدثك بأعجب من هذا عنه : أنه يزعم أن صدقة الفطر نصف صاع ، والصاع ثمانية أرطال ، فقال : هذه أعجب من الأولى ، بل صاع تام عن كل إنسان ، هكذا أدركنا علماءنا ببلدنا هذا . [ ص: 519 ] انتهى .

قال صاحب " التنقيح " : إسناده مظلم ، وبعض رجاله غير مشهورين ، والمشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي ، وهو ثقة ، قال : قدم علينا أبو يوسف رحمه الله من الحج : فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ، ففحصت عنه ، فقدمت المدينة ، فسألت عن الصاع فقال : صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لهم : ما حجتكم في ذلك ؟ فقالوا : نأتيك بالحجة غدا ، فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار ، مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه ، كل رجل منهم يخبر عن أبيه ، وأهل بيته ، أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هي سواء ، قال : فعيرته ، فإذا هو خمسة أرطال وثلث ، بنقصان يسير ، فرأيت أمرا قويا ، فتركت قول أبي حنيفة رضي الله عنه في الصاع ، وأخذت بقول أهل المدينة ، هذا هو المشهور من قول أبي يوسف رحمه الله ، وقد روي أن مالكا ناظره ، واستدل عليه الصيعان التي جاء بها أولئك الرهط ، فرجع أبو يوسف إلى قوله . وقال عثمان بن سعيد الدارمي : سمعت علي بن المديني يقول : عيرت صاع النبي عليه السلام ، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالتمر . انتهى كلامه .

وأخرج الحاكم في " المستدرك " عن هشام بن عروة عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها حدثته { أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة ، أو الصاع الذي يقتات به ، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم }. انتهى . وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وهو الحجة لمناظرة مالك ، وأبي يوسف رحمهما الله تعالى . انتهى . واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " للشافعي ، وأحمد في أن الصاع خمسة أرطال وثلث ، بحديث كعب بن عجرة في الفدية أن النبي عليه السلام ، قال له : { صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين : لكل مسكين نصف صاع } ، رواه البخاري ، ومسلم ، وفي لفظ لهما : { فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة ، أو يهدي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام } ، قال : فقوله : نصف صاع حجة لنا ، قال ثعلب : والفرق : اثنا عشر مدا ، وقال ابن قتيبة : الفرق : ستة عشر رطلا ، والصاع ثلث الفرق ، خمسة أرطال وثلث ، والمد : [ ص: 520 ] رطل وثلث انتهى .

وأخرج الطحاوي عن أبي يوسف ، قال : قدمت المدينة ، فأخرج إلي من أثق به صاعا ، وقال : هذا صاع النبي عليه السلام ، فوجدته خمسة أرطال وثلثا ، قال الطحاوي : وسمعت ابن أبي عمران يقول : الذي أخرجه لأبي يوسف هو مالك ، وسمعت أبا حزم يذكر عن مالك ، قال : هو تحري عبد الملك بصاع عمر . انتهى .

قوله : هكذا كان صاع عمر يعني ثمانية أرطال ، قلت : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه في كتاب الزكاة " حدثنا يحيى بن آدم ، قال : سمعت حسن بن صالح يقول : صاع عمر ثمانية أرطال ، وقال شريك : أكثر من سبعة أرطال ، وأقل من ثمانية . انتهى .

حدثنا وكيع عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن موسى بن طلحة ، قال : الحجاجي صاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه . انتهى .

وهذا الثاني : أخرجه الطحاوي في " كتابه " ، ثم أخرج عن إبراهيم النخعي ، قال : عيرنا الصاع فوجدناه حجاجيا ، والحجاجي عندهم : ثمانية أرطال بالبغدادي ، وعنه قال : وضع الحجاج قفيزه على صاع عمر ، قال : فما ذكراه عيار حقيقي ، فهو أولى مما ذكره مالك ، من تحري عبد الملك بصاع عمر ; لأن التحري لا حقيقة معه . انتهى .

الحديث السابع : روي { أن النبي عليه السلام كان يتوضأ بالمد : رطلين ، ويغسل بالصاع : ثمانية أرطال } ، قلت : روي من حديث أنس ، ومن حديث جابر . [ ص: 521 ] فحديث أنس : أخرجه الدارقطني في " سننه " من ثلاثة طرق : أحدها : في صدقة الفطر عن جعفر بن عون عن ابن أبي ليلى ، ذكره عن عبد الكريم عن أنس ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد : رطلين ، ويغتسل بالصاع : ثمانية أرطال ، }. انتهى .

الطريق الثاني : رواه في " الطهارة " عن موسى بن نصر الحنفي ثنا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن جرير بن يزيد عن أنس ، نحوه ، قال الدارقطني : تفرد به موسى بن نصر ، وهو ضعيف الحديث . انتهى .

الطريق الثالث : أخرجه في " الزكاة " عن صالح بن موسى الطلحي ثنا منصور بن المعتمر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : { جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل من الجنابة ، صاع من ثمانية أرطال ، وفي الوضوء رطلان } ، وقال : لم يروه عن منصور غير صالح ، وهو ضعيف الحديث انتهى .

وضعف البيهقي هذه الأسانيد الثلاثة ، وقال : الصحيح عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد }. انتهى كلامه . وأما حديث جابر : فأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عمر بن موسى بن وجيه الوجيهي عن عمرو بن دينار عن جابر ، قال : { كان النبي عليه السلام يتوضأ بالمد : رطلين ، ويغتسل بالصاع : ثمانية أرطال }. انتهى .

وضعف عمر بن موسى هذا ، البخاري ، والنسائي ، وابن معين ، ووافقهم ، وقال : إنه في عداد من يضع الحديث انتهى .

وحديث : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع } ، أخرجه البخاري ، ومسلم عن أنس ، وأخرجه مسلم عن سفينة . انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري في " صحيحه " عن السائب بن يزيد ، قال : { كان [ ص: 522 ] الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم ، فزيد فيه ، في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه }. انتهى .

{ حديث آخر } : رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال في باب الصدقة " حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن إبراهيم ، قال : { كان صاع النبي عليه السلام ثمانية أرطال ، ومده رطلين }. انتهى .

والحديث في " الصحيحين " عن أنس : ليس فيه الوزن ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع } ، وأخرجه مسلم عن سفينة ، قال : { كان النبي عليه السلام يغتسل بالصاع من الماء من الجنابة ، ويتوضأ بالمد }. انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية