نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
ثم قال ( والكفارة مثل كفارة الظهار ) لما روينا ، ولحديث الأعرابي فإنه قال { يا رسول الله هلكت وأهلكت ، فقال : ماذا صنعت ؟ قال : واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا ، فقال صلى الله عليه وسلم : أعتق رقبة ، فقال : لا أملك إلا رقبتي هذه ، فقال : صم شهرين متتابعين ، فقال : وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم ؟ فقال : أطعم ستين مسكينا ، فقال : لا أجد ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتى بفرق من تمر ويروى بعرق فيه خمسة عشر صاعا ، وقال : فرقها على المساكين ، فقال : والله ما بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ومن عيالي ، فقال : كل أنت وعيالك . [ ص: 15 - 16 ] ويجزيك ولا يجزئ أحدا بعدك }" وهو حجة على الشافعي في قوله : يخير ; لأن مقتضاه الترتيب ، وعلى مالك في نفي التتابع للنص عليه .


الحديث الرابع عشر : روي { أن أعرابيا أتى النبي عليه السلام ، فقال : يا رسول الله ، هلكت ، وأهلكت ، فقال : ماذا صنعت ؟ قال : واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا ، فقال : أعتق رقبة ، قال : لا أملك إلا رقبتي هذه ، قال : فصم شهرين متتابعين ، فقال : وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم ، فقال : أطعم ستين مسكينا ، فقال : لا أجد ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يؤتى بفرق من تمر ويروى بعرق فيه خمسة عشر صاعا وقال : فرقها على المساكين ، فقال : والله ليس بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ، ومن عيالي ، فقال : كل أنت وعيالك يجزئك ، ولا يجزئ أحدا بعدك }" ، قلت : أخرج أصحاب الكتب الستة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة ، قال : { أتى رجل النبي عليه السلام ، فقال : هلكت ، قال : ما شأنك ؟ ، قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : فهل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا ، قال : اجلس ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرق فيه تمر ، فقال : تصدق به ، فقال : يا رسول [ ص: 15 ] الله ، ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه }وفي لفظ : أنيابه ، وفي لفظ : نواجذه ثم قال : { خذه فأطعمه أهلك }" انتهى . وفي لفظ لمسلم : { وطئت امرأتي في رمضان نهارا }" ، وعند مالك في " الموطأ " : { أصبت أهلي ، وأنا صائم في رمضان }" ، وفي لفظ لأبي داود : زاد الزهري : وإنما كان هذا رخصة ، ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن به بد من التكفير ، وفي لفظ في " الصحيحين " : احترقت ، موضع هلكت ، وفيهما ما يدل لجمهور العلماء على أنه في العامد ، لأن الناسي غير هالك ، ولا محترق ، على أنه جاء في رواية مرسلة ، التصريح بالعمد ، أخرجه الدارقطني في " كتاب العلل " عن سعيد بن المسيب { : أن رجلا أتى النبي عليه السلام ، فقال : يا رسول الله أفطرت في رمضان متعمدا } ، الحديث . ويؤيده ما رواه مالك في " الموطأ " عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب ، قال { أتى أعرابي إلى النبي عليه السلام ينتف شعره ، ويضرب فخذه ، ويقول : هلك الأبعد } ، فذكره ، وهو من مراسيل سعيد .

ورواه الدارقطني في " كتاب العلل " مسندا من حديث أبي هريرة ، فقال : حدثنا عبد الملك بن أحمد ثنا يعقوب الدورقي ثنا روح ثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة : { أن أعرابيا جاء يلطم وجهه ، وينتف شعره } ، الحديث .

وفي الكتاب : هلكت ، وأهلكت ، وليس في الكتب الستة : إلا هلكت فقط ، قال الخطابي : وروي في بعض طرقه هلكت ، وأهلكت ، واستدل بها بعضهم على مشاركة المرأة إياه في الجناية ، قال : وهذه اللفظة غير محفوظة ، وأصحاب سفيان لم يرووها عنه ، إنما ذكروا قوله : هلكت ، فقط ، غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان ، فذكر هذا الحرف فيه ، وهو غير محفوظ ، والمعلى ليس بذلك القوي في الحفظ والإتقان انتهى .

قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي ثور ثنا معلى بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة ، قال : { جاء أعرابي إلى النبي عليه السلام ، فقال : هلكت ، وأهلكت } ، الحديث . ثم قال : تفرد به [ ص: 16 ] أبو ثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله : وأهلكت ، وهم ثقات انتهى .

وأخرجه البيهقي في " سننه " عن جماعة عن الأوزاعي عن الزهري به ، وفيه : هلكت وأهلكت ، قال البيهقي : ضعف شيخنا أبو عبد الله الحاكم هذه اللفظة : وأهلكت ، وقال : إنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني ، فقد رواه أبو علي الحافظ عن محمد بن المسيب بالإسناد دون هذه اللفظة ، ورواه كافة أصحاب الأوزاعي عن الأوزاعي دونها ، ولم يذكرها أحد من أصحاب الزهري عن الزهري وكان شيخنا أبو عبد الله يستدل على كونها في تلك الرواية أيضا خطأ ، بأنه نظر في " كتاب الصوم " تصنيف المعلى بن منصور ، فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة ، وأن كافة أصحاب سفيان رووه دونها انتهى .

وقال المنذري في " حواشيه " : وقول الزهري : إنما كان هذا رخصة له خاصة ; دعوى لم يقم له عليها برهان ، وقال غيره : إنه منسوخ ، وهو أيضا دعوى انتهى .

وقوله في الكتاب : تجزئك ، ولا تجزئ أحدا بعدك ، لم أجده في شيء من طرق الحديث ، ولا رواية الفرق بالفاء ، والفرق : هو الزنبيل ، قيل : يسع خمسة عشر صاعا . واعلم أن الحديث ورد في " الصوم " أخرجه أبو داود عن هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره ، إلى أن قال : فأتى بعرق فيه تمر ، قدر خمسة عشر صاعا ، وقال : كله أنت وأهل بيتك ، وصم يوما ، واستغفر الله }.

قال ابن القطان : وعلة هذا الحديث ضعف هشام بن سعد انتهى . وقال عبد الحق في " أحكامه " : طرق مسلم في هذا الحديث أصح وأشهر ، وليس فيها : صم يوما ، ولا مكتلة التمر ، ولا الاستغفار ، وإنما يصح القضاء مرسلا ، انتهى كلامه . وهذا المرسل في " موطأ مالك " عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بن المسيب ، قال : جاء أعرابي ، فذكره ، وفي آخره : فقال له عليه السلام : كله ، وصم يوما ، مكان ما أصبت ، مختصر . وزاد الدارقطني في هذا الحديث : فقد كفر الله عنك ، وكأن الشافعي لم تقع له هذه الرواية ، فإن البيهقي نقل عنه في " المعرفة " أنه قال : يحتمل أن الكفارة دين عليه متى قدر عليها ، أو شيء منها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية