نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 25 - 26 ] ( وإن كان مسافرا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل ، وإن أفطر جاز ) لأن السفر لا يعرى عن المشقة ، فجعل نفسه عذرا ، بخلاف المرض ، فإنه قد يخف بالصوم ، فشرط كونه مفضيا إلى الحرج ، وقال الشافعي رحمه الله : الفطر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم { ليس من البر الصيام في السفر }" . ولنا أن رمضان أفضل الوقتين ، فكان الأداء فيه أولى ، وما رواه محمول على حالة الجهد


[ ص: 26 ] الحديث الثامن عشر : قال عليه السلام : { ليس من البر الصيام في السفر }" قلت : رواه البخاري ، ومسلم من حديث جابر ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ، ورجل قد ظلل عليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم ، فقال : ليس من البر الصوم في السفر }" ، انتهى ، وزاد مسلم في لفظ : { وعليكم برخصة الله التي رخص لكم }انتهى .

وروي : { ليس من امبر امصيام في امسفر }" وهي لغة بعض العرب ، رواها عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم الأشعري عن النبي عليه السلام ، فذكره ، وعن عبد الرزاق رواه أحمد في " مسنده " ، ومن طريق أحمد رواه الطبراني في " معجمه " ، والمصنف رحمه الله استدل بهذا الحديث على الشافعي رضي الله تعالى عنهفي قوله : الفطر أفضل لمن لا يستضر بالصوم ، وهذا القول لا يصح عن الشافعي ، ولا حكي عنه ، ولكنه مذهب أحمد ، وهكذا نقله عنه ابن الجوزي في " التحقيق " ، واستدل له بهذا الحديث ، وليس فيه حجة ، لأن القصة وردت في صيام من استضر بالصوم ، ولكن يمكن أن يستدل لأحمد بحديث أخرجه مسلم عن { حمزة بن عمرو الأسلمي ، أنه قال : يا رسول الله أجد في قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ فقال عليه السلام : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه }" انتهى . وكذلك حديث { أولئك العصاة } ، أخرجه مسلم أيضا عن [ ص: 27 ] جابر : { أن النبي عليه السلام خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فشربه ، فقيل له : إن بعض الناس قد صام ، قال : أولئك العصاة }" وهذا أيضا محمول على من استضر ، بدليل ما ورد في لفظ لمسلم فيه أيضا ، فقيل له : إن الناس قد شق عليهم الصوم ، ورواه الواقدي في " المغازي " ، وفيه : وكان أمرهم بالفطر ، فلم يقبلوا ، وأما حديث : { الصائم في السفر كالمفطر في الحضر } ، فأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عبد الله بن موسى التيمي عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر }" انتهى .

وأخرجه البزار في " مسنده " [ ص: 28 ] عن عبد الله بن عيسى المدني ثنا أسامة بن زيد به . ثم قال : هذا حديث أسنده أسامة بن زيد ، وتابعه يونس ، ورواه ابن أبي ذئب ، وغيره عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه موقوفا على عبد الرحمن ، ولو ثبت مرفوعا لكان خروج النبي عليه السلام حين خرج فصام حتى بلغ الكديد ، ثم أفطر ، وأمر الناس بالفطر دليلا على نسخ هذا الحديث ، لأنه يؤخذ بالآخر ، والآخر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه البخاري ، ومسلم عن ابن عباس ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان حتى بلغ الكديد ، ثم أفطره } ، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ، قال الزهري : وكان الفطر آخر الأمرين ، زاد مسلم . قال الزهري : { فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان }انتهى .

وفي لفظ للبخاري : { فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر } ، وذكره ابن القطان في " كتابه " من جهة البزار ، ثم قال : هكذا قال عبد الله بن عيسى المدني ، وقال غيره : عبد الله بن موسى التيمي ، وهو أشبه بالصواب ، وهو عبد الله بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي ، يروي عن أسامة بن زيد ، وهو لا بأس به انتهى .

ورواه ابن عدي في " الكامل " من حديث يزيد بن هارون ثنا يزيد بن عياض عن الزهري عن أبي سلمة عن أبيه مرفوعا ، قال ابن عدي : وهذا الحديث لا يرفعه عن الزهري غير يزيد بن عياض ، وعقيل من رواية سلامة بن روح عنه ، ويونس بن يزيد من رواية القاسم بن مبرور عنه ، وأسامة بن زيد من رواية عبد الله بن موسى التيمي عنه ، والباقون من أصحاب الزهري ، رووه عنه عن أبي سلمة عن أبيه من قوله انتهى كلامه . وقال ابن أبي حاتم في " علله " : قال أبو حاتم : الصحيح عن الزهري عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا انتهى .

قلت : وفي سماع أبي سلمة من أبيه نظر ، وفي كلام ابن القطان ما يدل على عدم سماعه منه فإنه قال في حديث أخرجه النسائي في " الصوم " عن النضر بن شيبان ، قال : قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن : حدثني عن شيء سمعته من أبيك ، سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بين أبيك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد في شهر رمضان ، قال نعم : حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رمضان ، ففضله على الشهور ، وقال : { من صام رمضان إيمانا واحتسابا [ ص: 29 ] خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه }انتهى .

قال النسائي : هذا غلط ، والصواب ما ذكرناه يعني حديث أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحوه ، وهكذا نقل ابن القطان عن البخاري أنه قال : حديث أبي سلمة عن أبي هريرة أصح ، لما سئل عن حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : ولم يتعرض البخاري للانقطاع ، قال ابن القطان : ولولا ضعف النضر بن شيبان الحراني وكان ثقة لثبت سماع أبي سلمة من أبيه ، فجملة أحاديث يرويها عنه معنعنة ، لكنه ليس بثقة ، قال ابن أبي خيثمة : سئل ابن معين عنه ، فقال : ليس حديثه بشيء انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية