نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 29 ] ( ومن مات وعليه قضاء رمضان فأوصى به أطعم عنه وليه لكل يوم مسكينا نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ) لأنه عجز عن الأداء في آخر عمره ، فصار كالشيخ الفاني ، ثم لا بد من الإيصاء عندنا ، خلافا للشافعي رحمه الله ، وعلى هذا الزكاة ، هو يعتبره بديون العباد ; إذ كل ذلك حق مالي [ ص: 30 ] تجري فيه النيابة . ولنا أنه عبادة ، ولا بد فيه من الاختيار ، وذلك في الإيصاء دون الوراثة لأنها جبرية ; ثم هو تبرع ابتداء حتى يعتبر من الثلث ، والصلاة كالصوم باستحسان المشايخ ، وكل صلاة تعتبر بصوم يوم ، هو الصحيح ( ولا يصوم عنه الولي ولا يصلي ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يصوم أحد عن أحد ، ولا يصلي أحد عن أحد }" .


الحديث التاسع عشر : قال عليه السلام : { لا يصوم أحدكم عن أحد ، ولا يصلي أحد عن أحد }" ، قلت : غريب مرفوع ، وروي موقوفا على ابن عباس ، وابن عمر .

فحديث ابن عباس : رواه النسائي في " سننه الكبرى في الصوم " حدثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا يزيد بن زريع ثنا حجاج الأحول ثنا أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ، قال : لا يصلي أحد عن أحد ، ولا يصوم أحد عن أحد ، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة انتهى . ولم يخرجه ابن عساكر في " أطرافه " .

حديث ابن عمر : رواه عبد الرزاق في " مصنفه في كتاب الوصايا " أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : لا يصلين أحد عن أحد ولا يصومن أحد عن أحد ، ولكن إن كنت فاعلا تصدقت عنه ، أو أهديت انتهى .

وفي " الإمام " رواه أبو بكر بن الجهم في " كتابه " أخبرنا أحمد بن الهيثم ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد [ ص: 30 ] عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، أنه قال : لا يصومن أحد عن أحد ، ولا يحجن أحد عن أحد ، ولو كنت أنا لتصدقت ، وأعتقت ، وأهديت انتهى .

وهو في " الموطأ " بلاغ قال ابن مصعب : أخبرنا مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر ، قال ، فذكره ، قال مالك : ولم أسمع عن أحد من الصحابة ، ولا من التابعين رضي الله عنهم بالمدينة أن أحدا منهم أمر أحدا يصوم عن أحد ، ولا يصلي عن أحد ، وإنما يفعله كل أحد لنفسه ، ولا يعمله أحد عن أحد .

أحاديث الباب : أخرج الترمذي في " كتابه " عن أشعث بن سوار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل مات وعليه صيام : يطعم عنه ، عن كل يوم مسكين }" انتهى . وقال : لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، والصحيح عن ابن عمر موقوفا انتهى . وضعفه عبد الحق في " أحكامه " بأشعث ، وابن أبي ليلى ، وقال الدارقطني في " علله " : المحفوظ موقوف ، هكذا رواه عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر ، انتهى .

وقال البيهقي في " المعرفة " : لا يصح هذا الحديث ، فإن محمد بن أبي ليلى كثير الوهم ، ورواه أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر .

قوله : ثم أخرجه عن عبيد الله بن الأخنس عن نافع عن ابن عمر ، قال : من مات وعليه صيام رمضان ، فليطعم عنه كل يوم مسكين مدا من حنطة انتهى .

وأخرجه البيهقي في " سننه " عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى به مرفوعا ، { قال في الذي يموت وعليه رمضان ، ولم يقضه : يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من بر }انتهى .

قال البيهقي : هذا خطأ من وجهين : أحدهما : رفعه ، وإنما هو موقوف . والثاني : قوله فيه : نصف صاع ، وإنما قال ابن عمر : مد من حنطة ، [ ص: 31 ] انتهى .

حديث يشكل على هذه الأحاديث : أخرجه البخاري ، ومسلم عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة عن النبي عليه السلام ، قال : { من مات وعليه صيام صام عنه وليه }" انتهى .

ورواه أبو داود ، وقال : هذا في النذر ، قاله أحمد بن حنبل ، انتهى . وكذلك حديث ابن عباس : { أن امرأة أتت النبي عليه السلام ، فقالت : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، فقال : أرأيت لو كان عليها دين ، أكنت قاضية عنها ؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحق }" ، أخرجاه أيضا ، وهو محمول على النذر أيضا ، بدليل أنه في لفظ لهما عنه ، قال : { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ، فأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيته ؟ قالت : نعم ، قال : فصومي عن أمك }" انتهى . وقال صاحب " التنقيح " : حمل أصحابنا حديث عائشة على صوم النذر ، لما روي عن عائشة أنها قالت : يطعم عنه في قضاء رمضان ، ولا يصام ، قال : وذلك لأن النيابة تجري في العبادة بحسب خفتها ، والنذر أخف حكما ، لكونه لم يجب بأصل الشرع ، وإنما أوجبه الناذر على نفسه انتهى .

قلت : حديث ابن عباس أخرجه أبو داود في " النذر والأيمان " مصرحا فيه بالنذر عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرا ، فنجاها الله ، فلم تصم حتى ماتت ، فجاءت بنتها ، أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تصوم عنها }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية