نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( وسؤر الكلب نجس ) ويغسل الإناء من ولوغه ثلاثا ، لقوله عليه الصلاة والسلام { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا }ولسانه يلاقي الماء دون الإناء ، فلما تنجس الإناء فالماء أولى ، وهذا يفيد النجاسة والعدد في الغسل ، وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اشتراط السبع ، ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث ، فما يصيبه سؤره وهو دونه أولى ، والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام .


فصل في الأسآر وغيرها

الحديث الرابع والأربعون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا }قلت : روي عن أبي هريرة من طريقين :

الأول : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا }انتهى .

قال الدارقطني : تفرد به عبد الوهاب بن الضحاك عن ابن عياش ، وهو متروك ، وغيره [ ص: 201 ] يرويه عن ابن عياش بهذا الإسناد ، { فاغسلوه سبعا } ، وهو الصحيح انتهى .

وأخرجه الدارقطني أيضا عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات ، وأخرجه بهذا الإسناد عن أبي هريرة ، أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء أهرقه وغسله ثلاث مرات انتهى ، قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وهذا سند صحيح انتهى .

الطريق الثاني : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن الحسين بن علي الكرابيسي ثنا إسحاق الأزرق ثنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات }انتهى ، ثم أخرجه عن عمرو بن شيبة ثنا إسحاق الأزرق به موقوفا ، قال : ولم يرفعه غير الكرابيسي ، والكرابيسي لم أجد له حديثا منكرا غير هذا ، وإنما حمل عليه أحمد بن حنبل من جهة اللفظ بالقرآن ، فأما في الحديث فلم أر به بأسا ، انتهى كلامه . ورواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من طريق ابن عدي ، ثم قال : هذا حديث لا يصح ، لم يرفعه غير الكرابيسي ، وهو ممن لا يحتج بحديثه انتهى .

وقال البيهقي في " كتاب المعرفة " : حديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في " غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات " ، تفرد به عبد الملك من بين أصحاب عطاء ، ثم عطاء من بين أصحاب أبي هريرة ، والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء ، وأصحاب أبي هريرة يروونه " سبع مرات " وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات ، ولمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض رواياته تركه شعبة بن الحجاج ، ولم يحتج به البخاري في " صحيحه " ، وقد اختلف عليه في هذا الحديث ، فمنهم من يرويه عنه مرفوعا ، ومنهم من يرويه عنه من قول أبي هريرة ، ومنهم من يرويه عنه من فعله ، قال : وقد اعتمد الطحاوي على الرواية الموقوفة في نسخ حديث " السبع " وأن أبا هريرة لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ، وكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطا برواية واحد قد عرف بمخالفة الحفاظ في بعض أحاديثه انتهى .

وهذا [ ص: 202 ] الذي نقله عن الطحاوي ذكره في " شرح الآثار " فقال بعد أن روى الموقوف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : إذا ولغ الكلب ، إلخ ، ثم قال : فثبت بذلك نسخ " السبع " لأنا نحسن الظن بأبي هريرة ، ولا يجوز عليه أنه يترك ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا سقطت عدالته ، ولم يقبل روايته ، بل كان يجب على الخصم المخالف أن يعمل بحديث عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه مسلم أنه يغسل سبعا ، ويعفر الثامنة بالتراب ; لأنه قد زاد على السبع ، والأخذ بالزائد أوجب عملا بالحديثين ، وهم لا يقولون به ، فثبت أنه منسوخ ، انتهى .

الحديث الخامس والأربعون : حديث الأمر الوارد بالسبع ، قلت : رواه الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات : أولاهن أو أخراهن بالتراب }انتهى .

وفي لفظ لمسلم . وأبي داود { طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات } ، انتهى .

وهو أولى ما يستدل به على نجاسة سؤر الكلب ، وكذلك الأمر بإراقته ، ورواه مالك في " الموطأ " وقال فيه : { إذا شرب } ، عوض : { إذا ولغ }.

قال ابن عبد البر : هكذا قال مالك . وغير مالك من رواية حديث أبي هريرة ، كلهم يقولون : { إذا ولغ } ، وهو الذي يعرفه أهل اللغة ، وقال الحافظ : أبو بكر الإسماعيلي في " صحيحه " ما معناه : أن مالكا قد انفرد عن الكل بهذه اللفظة ، وكذلك قال الحافظ أبو عبد الله بن منده : قال : فرواه هشام بن عروة . وموسى بن عقبة . وابن عيينة . وشعيب بن أبي حمزة . وغيرهم عن أبي الزناد ، وقالوا : { إذا ولغ الكلب } ، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة . وغيره عن عبد الرحمن الأعرج ، ورواه عبيد بن حسين . وثابت الأعرج ، وعبد الرحمن بن أبي عمرة . وأبو يونس سليم بن جبير . ومحمد بن سيرين . وأبو صالح . وأبو رزين ، كلهم عن أبي هريرة . واتفقوا على قوله : { إذا ولغ }.

قال الشيخ في " الإمام " : وقد وقعت هذه اللفظة عن أبي الزناد من غير رواية مالك ، ذكرها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ في " الجزء الثالث من العوالي " فرواه عن أبي يعلى عن سعيد بن عبد الجبار عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا { إذا شرب الكلب }الحديث ، وكذلك وقعت في " كتاب الحافظ أبي بكر الجوزقي " من رواية ورقاء عن أبي الزناد ، قال الشيخ : وهاهنا شيء آخر ، وهو أن قول أبي عمر . وغير مالك من رواة حديث أبي هريرة : يقول : { إذا ولغ }ظاهره يقتضي [ ص: 203 ] اتفاق الرواة عن مالك على ذلك ، وقد رواه الإسماعيلي فيما وجدته من صحيحه عن محمد بن يحيى بن سليمان المروزي عن أبي عبيد القاسم بن سلام عن إسماعيل بن عمر عن مالك بن أنس بإسناده ، سواء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبع مرات }كسائر الرواة انتهى كلامه . وفي الباب حديث عبد الله بن مغفل رواه مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية