نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 83 ] فصل

( والمواقيت التي لا يجوز أن يجاوزها الإنسان إلا محرما خمسة : لأهل المدينة ذو الحليفة ولأهل العراق ذات عرق ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرنا ، ولأهل اليمن يلملم ) هكذا وقت رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه المواقيت لهؤلاء . وفائدة التأقيت المنع عن تأخير الإحرام عنها لأنه يجوز التقديم عليها بالاتفاق .


[ ص: 83 ] فصل في المواقيت

الحديث السادس : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة : ذا الحليفة ، ولأهل العراق : ذات عرق ، ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرنا ، ولأهل اليمن . يلملم } ، قلت : أخرج البخاري ومسلم عن طاوس عن ابن عباس أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة : ذا الحليفة ، ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرن المنازل ، ولأهل اليمن : يلملم ، هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دون ذلك ، فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة }انتهى .

وأخرجا عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، وأهل الشام من الجحفة ، وأهل نجد من قرن }.

قال عبد الله : وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ويهل أهل اليمن من يلملم }: وفي لفظ : قال عبد الله : وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، ولم أسمع ذلك منه : { ومهل أهل اليمن يلملم } ، وفي لفظ للبخاري قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد من قرن ، ولأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة }انتهى .

ما جاء في ذات عرق : أخرج مسلم في " صحيحه " عن أبي الزبير عن جابر ، قال : سمعت أحسبه رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، والطريق الآخر الجحفة ، ومهل أهل العراق من ذات عرق ، ومهل أهل نجد من قرن ، [ ص: 84 ] ومهل أهل اليمن من يلملم }انتهى .

وهذا شك الراوي في رفعه ، لكن أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، ومهل أهل الشام من الجحفة ، ومهل أهل اليمن من يلملم ، ومهل أهل نجد من قرن ، ومهل أهل المشرق من ذات عرق ، ثم أقبل بوجهه للأفق ، فقال : اللهم أقبل بقلوبهم }انتهى . وهذه الرواية ليس فيها شك من الراوي ، إلا أن إبراهيم بن يزيد الخوزي لا يحتج بحديثه ، وقد تقدم الكلام فيه من حديث الزاد والراحلة ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " عن حجاج عن عطاء عن جابر ، وحجاج أيضا لا يحتج به .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والنسائي في " سننهما " عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق : ذات عرق }انتهى . لأبي داود ، وزاد فيه النسائي : بقية المواقيت .

وروى ابن عدي في " الكامل " ، ثم أسند عن أحمد بن حنبل أنه كان ينكر على أفلح بن حميد هذا الحديث .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والنسائي أيضا عن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو ، قال : سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو السهمي ، قال : { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى . أو بعرفات ، وقد طاف به الناس ، قال : فتجيء الأعراب ، فإذا رأوا وجهه ، قالوا : هذا وجه مبارك ، قال : ووقت ذات عرق لأهل العراق }انتهى .

ورواه البيهقي ، وقال : في إسناده من هو غير معروف ، ورواه الدارقطني في " سننه " . [ ص: 85 ] ( حديث آخر ) : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا عبد الرزاق ، قال : سمعت مالكا يقول : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق } ، فقلت له : من حدثك بهذا ؟ قال : حدثني به نافع عن ابن عمر انتهى .

قال الدارقطني في " علله " : روى عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر { أن النبي عليه السلام وقت لأهل العراق ذات عرق } ، ولم يتابع عبد الرزاق على ذلك ، وخالفه أصحاب مالك ، فرووه عنه ، ولم يذكروا فيه ميقات أهل العراق ، وكذلك رواه أيوب السختياني ، وابن عوف ، وابن جريج ، وأسامة بن زيد ، وعبد العزيز بن أبي رواد عن نافع ، وكذلك رواه سالم عن ابن عمرو بن دينار عن ابن عمر انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي عن وكيع عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس ، قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق : العقيق }انتهى .

ورواه البيهقي في " المعرفة " ، وقال : تفرد به يزيد بن أبي زياد ، والعقيق أقرب إلى العراق من ذات عرق بيسير ، وكان أنس بن مالك يحرم من العقيق ، قاله ابن المنذر انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث أخاف أن يكون منقطعا ، فإن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس إنما عهد يروي عن أبيه عن جده ابن عباس ، كما جاء ذلك في " صحيح مسلم في صلاته عليه السلام من الليل " ، وقال مسلم في " كتاب التمييز " : لا نعلم له سماعا من جده ، ولا أنه لقيه ، ولم يذكر البخاري ، ولا ابن أبي حاتم أنه يروي عن جده ، وذكر أنه يروي عن أبيه انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البزار في " مسنده " عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق : ذات عرق }انتهى .

ورواه الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم أخبرني ابن جريج أخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مرسلا بتمامه ، وفيه لأهل المشرق : ذات عرق ، قال ابن جريج : فقلت لعطاء : [ ص: 86 ] إنهم يزعمون أن النبي عليه السلام لم يوقت ذات عرق ، وأنه لم يكن أهل مشرق يومئذ ، فقال : كذلك سمعنا { أنه عليه السلام وقت لأهل المشرق : ذات عرق }انتهى .

ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " قال الشافعي ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه طاوس ، قال : لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات عرق ، ولم يكن أهل مشرق حينئذ ، فوقت الناس ، ذات عرق ، قال الشافعي : ولا أحسبه إلا كما قال طاوس انتهى .

{ حديث آخر } : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " ، والدارقطني في " سننه " أخبرنا يزيد بن هارون ثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة : ذا الحليفة ، ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرنا ، ولأهل اليمن : يلملم ، ولأهل العراق . ذات عرق }انتهى . والحجاج غير محتج به .

{ حديث آخر } : رواه ابن راهويه أيضا أخبرنا يزيد بن هارون أنبأ الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن جرير بن عبد الله البجلي مرفوعا بنحوه ، والظاهر أن هذا الاضطراب من الحجاج ، فإن من دونه ومن فوقه ثقات .

{ حديث آخر } موقوف : أخرجه البخاري في " صحيحه " قال : " باب ذات عرق لأهل العراق " ، ثم أسند عن نافع عن ابن عمر ، قال : لما فتح هذان المصران أتوا عمر ، فقالوا : يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد : قرنا ، وهي جور عن طريقنا ، وإنا إذا أردنا قرنا ، شق علينا ، قال : انظروا حذوها من طريقكم ، فحد لهم ذات عرق انتهى . قال البيهقي في " المعرفة " : ويشبه أن يكون عمر لم يبلغه توقيت النبي عليه السلام : ذات عرق ، إن كانت الأحاديث بذلك ثابتة ، فوافق تحديده توقيت النبي عليه السلام انتهى .

قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : المصران : هما البصرة ، والكوفة ، وحذوها : أي ما يقرب منها ، قال : وهذا الحديث يدل على أن ذات عرق مجتهد فيها لا منصوصة ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية