نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( والمرأة في جميع ذلك كالرجل ) لأنها مخاطبة كالرجل ( غير أنها لا تكشف رأسها ) لأنه عورة ( وتكشف وجهها ) لقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 189 ] { إحرام المرأة في وجهها }( ولو سدلت شيئا على وجهها وجافته عنه جاز ) هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها ، ولأنه بمنزلة الاستظلال بالمحمل ( ولا ترفع صوتها بالتلبية ) لما فيه من الفتنة ( ولا ترمل ولا تسعى بين الميلين ) لأنه [ ص: 190 ] مخل بستر العورة ( ولا تحلق ولكن تقصر ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى النساء عن الحلق وأمرهن بالتقصير }ولأن حلق الشعر في حقها مثله كحلق اللحية في حق الرجل ( وتلبس من المخيط ما بدا لها ) لأن في لبس غير المخيط كشف العورة . قالوا ولا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال إلا أن تجد الموضع خاليا .


[ ص: 188 ] الحديث الخامس والثمانون : قال عليه السلام : { إحرام المرأة في وجهها } ، قلت : أخرجه البيهقي في " سننه " من حديث ابن عمر مرفوعا : { إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها } ، وقد تقدم في " الإحرام " .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " عن أيوب بن محمد أبي الجمل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها }انتهى .

وكذلك رواه الطبراني في " معجمه " ، قال الدارقطني في " علله " : أيوب هذا ضعيف ، وقد خالفه جماعة : كابن عيينة ، وهشام بن حسان ، وعلي بن مسهر ، وعبد الرحمن بن سليمان ، وابن نمير ، وإسحاق الأزرق ، وغيرهم ، فرووه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وهو الصواب انتهى .

وقال البيهقي : وأبو الجمل ضعيف عند أهل العلم بالحديث ، والمحفوظ موقوف ، انتهى .

وقال ابن القطان في " كتابه " : أيوب بن محمد أبو الجمل مختلف ، فقال : أبو زرعة منكر الحديث ، وقال أبو حاتم ، لا بأس به ، فخرج من هذا أن حديثه غير صحيح انتهى كلامه . ورواه ابن عدي في " الكامل " ، والعقيلي في " ضعفائه " ، وأعلاه بأبي الجمل [ ص: 189 ] وقال : لا يتابع على رفعه ، إنما يروى موقوفا انتهى .

قوله : ولو أسدلت على وجهها شيئا ، وجافته عنه جاز ، هكذا روي عن عائشة رضي الله عنها ، قلت : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عائشة ، قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ، انتهى . أخرجه أبو داود عن هشيم عن يزيد به ، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن فضيل ، وعبد الله بن إدريس عنه ، قال في " الإمام " : وكذلك رواه أبو عوانة ، وعلي بن عاصم عن يزيد ، وخالفهم ابن عيينة عن يزيد ، فقال : عن مجاهد عن أم سلمة ، ومع ذلك في زيد فيه ضعف ، تكلم فيه غير واحد ، وأخرج له مسلم في جماعة غير محتج به انتهى .

قلت : حديث علي بن عاصم عند الدارقطني في " سننه " ، قال الدارقطني : وخالفه سفيان بن عيينة ، فقال : عن مجاهد عن أم سلمة ، ثم أخرج كذلك ، ورواه الطبراني في " معجمه " عن سفيان بن عيينة ، نحو الدارقطني . واعلم أن سماع مجاهد من عائشة رضي الله عنهامختلف فيه ، فأنكره يحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، وشعبة ، وقال أبو حاتم : مجاهد عن عائشة مرسل فقد ثبت عند البخاري ، ومسلم سماعه منها ، وأخرجا له عن عائشة أحاديث في بعضها ما يدل على سماعه منها ، نحو ما رواه منصور عن مجاهد ، قال : دخلت أنا ، وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، والناس يصلون الضحى في المسجد ، فسألناه عن صلاتهم ، فقال : بدعة ، فقال له عروة : يا أبا عبد الرحمن كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أربع عمر : إحداهن في رجب ، فكرهنا أن نكذبه ، ونرد عليه ، وسمعنا استنان عائشة في الحجرة ، فقال عروة : ألا تسمعين يا أم المؤمنين إلى ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ فقالت : وما يقول ؟ قال : يقول : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن [ ص: 190 ] في رجب ، فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو معه ، وما اعتمر في رجب قط انتهى . أخرجه مسلم في " الحج " ، والبخاري في " المغازي في غزوة خيبر في باب عمرة القضاء " ، وظاهر هذا أنه سمع منها ، ولو لم يكن عند البخاري كذلك لما أخرجه ، لأنه يشترط اللقاء ، وسماع الراوي ممن روى عنه مرة واحدة فصاعدا ، ولا خلاف في إدراك مجاهد لعائشة ، وأخرج مسلم أيضا عن ابن نجيح عن مجاهد عن { عائشة ، قالت : حضت بسرف ، فطهرت بعرفة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجتك }انتهى .

ومسلم إنما يعتبر التعاصر وإمكان السماع ما لم يقم دليل على خلافه ، مع أنه أخرجه من رواية طاوس عن عائشة بإسناد لا خلاف في اتصاله ، وأخرج النسائي في " سننه " عن موسى الجهني ، قال : { أتي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال ، فقال : حدثتني عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا }انتهى .

وهذا صريح في سماعه منها ، وقال ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والأربعين ، من القسم الثاني : من زعم أن مجاهدا لم يسمع من عائشة كان واهما ، ماتت عائشة في سنة سبع وخمسين ، وولد مجاهد في سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر انتهى كلامه . وقال ابن القطان في " كتابه " : ذكر الدوري عن ابن معين ، قال : كان يحيى بن سعيد القطان ينكر سماع مجاهد عن عائشة ، وقال القطان : كان شعبة ينكره أيضا ، ذكره الترمذي في " العلل " ، وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ، قال : كان شعبة ينكره ، وقال ابن أبي حاتم : روى عن عائشة مرسلا ، انتهى كلامه . وقال غيره : وقد ثبت عن البخاري ، ومسلم سماع مجاهد من عائشة ، فلا يلتفت إلى من نفاه .

الحديث السادس والثمانون : روي { أنه عليه السلام نهى النساء عن الحلق ، وأمرهن بالتقصير } ، قلت : غريب بهذا اللفظ ، وكأنه حديث مركب ، فنهي النساء عن الحلق فيه أحاديث : منها ما رواه الترمذي في " الحج " ، والنسائي في " الزينة " ، قالا : حدثنا محمد بن موسى الحرشي [ ص: 191 ] عن أبي داود الطيالسي عن همام عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها }انتهى . ثم رواه الترمذي عن محمد بن بشار عن أبي داود الطيالسي به عن خلاس عن النبي مرسلا ، وقال : هذا حديث فيه اضطراب ، وقد روي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا انتهى .

وقال عبد الحق في " أحكامه " : هذا حديث يرويه همام عن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي ، وخالفه هشام الدستوائي ، وحماد بن سلمة ، فروياه عن قتادة عن النبي عليه السلام مرسلا .

{ حديث آخر } : أخرجه البزار في " مسنده " عن معلى بن عبد الرحمن الواسطي ثنا عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهاأن { النبي عليه السلام نهى أن تحلق المرأة رأسها }انتهى .

قال البزار : ومعلى بن عبد الرحمن الواسطي روى عن عبد الحميد بأحاديث لم يتابع عليها ، ولا نعلم أحدا تابعه على هذا الحديث ، انتهى .

ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وقال أرجو أنه لا بأس به ، قال عبد الحق : وضعفه أبو حاتم ، وقال : إنه متروك الحديث انتهى .

وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء : يروي عن عبد الحميد بن جعفر المقلوبات ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد انتهى .

{ حديث آخر } : رواه البزار في مسنده " أيضا حدثنا عبد الله بن يوسف الثقفي ثنا روح بن عطاء بن أبي ميمون ثنا أبي عن وهب بن عمير ، قال : سمعت عثمان يقول : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها }انتهى .

قال البزار : ووهب بن عمير لا نعلمه روى غير هذا الحديث ، ولا نعلم حدث عنه ، إلا عطاء بن أبي ميمونة ، وروح ليس بالقوي انتهى .

حديث مخالف لما تقدم : روى ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي عشر ، [ ص: 192 ] من القسم الخامس ، من حديث وهب بن جرير ثنا أبي سمعت أبا فزارة يحدث عن يزيد بن الأصم { عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا ، وبنى بها ، وماتت بسرف ، فدفنها في الظلة التي بنى بها فيها ، فنزلنا قبرها أنا ، وابن عباس ، فلما وضعناها في اللحد ، مال رأسها ، فأخذت ردائي فوضعته تحت رأسها ، فاجتذبه ابن عباس ، فألقاه ، وكانت قد حلقت رأسها في الحج ، فكان رأسها محجما }انتهى .

وأما أمرهن بالتقصير ، فأخرجه أبو داود في " سننه " عن محمد بن بكر عن ابن جريج ، قال : بلغني عن صفية بنت شيبة ، قالت : أخبرتني أم عثمان أن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على النساء الحلق ، إنما على النساء التقصير }انتهى .

قال أبو داود : وحدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة ثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن صفية بنت شيبة به ، سواء ، قال ابن القطان في " كتابه " : هذا ضعيف ومنقطع ، أما الأول فانقطاعه من جهة ابن جريج قال : بلغني عن صفية ، فلم يعلم من حدثه به . وأما الثاني : فقول أبي داود : حدثنا رجل ثقة يكنى أبا يعقوب وهذا غير كاف ، وإن قيل : إنه أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن أبي إسرائيل ، فذاك رجل تركه الناس ، لسوء رأيه ، وأما ضعفه ، فإن أم عثمان بنت أبي سفيان لا يعرف حالها انتهى .

وأخرجه الدارقطني أيضا في " سننه " ، والطبراني في " معجمه " عن أبي بكر بن عياش عن يعقوب بن عطاء عن صفية بنت شيبة به ، وأخرجه الدارقطني أيضا ، والبزار في " مسنده " عن حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن صفية به ، قال البزار : لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ، انتهى .

وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن ليث عن نافع عن ابن عمر ، قال في المحرمة : تأخذ من شعرها قدر السبابة انتهى .

وليث هذا الظاهر أنه ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية