نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( وصفة القران أن يهل بالعمرة والحج معا من الميقات ، ويقول [ ص: 205 ] عقيب الصلاة اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني ) ; لأن القران هو الجمع بين الحج والعمرة من قولك : قرنت الشيء بالشيء إذا جمعت بينهما ، وكذا إذا أدخل حجة على عمرة قبل أن يطوف لها أربعة أشواط ; لأن الجمع قد تحقق إذ الأكثر منها قائم ، ومتى عزم على أدائهما يسأل التيسير فيهما وقدم العمرة على الحج فيه ; ولذلك يقول : لبيك بعمرة وحجة معا ; لأنه يبدأ بأفعال العمرة ، فكذلك يبدأ بذكرها وإن أخر ذلك في الدعاء والتلبية لا بأس به ; لأن الواو للجمع ; ولو نوى بقلبه ولم يذكرهما في التلبية أجزأه اعتبارا بالصلاة .

( فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاث الأول منها ويسعى بعدها بين الصفا والمروة وهذه أفعال العمرة ، ثم يبدأ بأفعال الحج فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط ويسعى بعده كما بينا في المفرد ويقدم أفعال العمرة ) لقوله تعالى: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج }والقران في معنى المتعة ( ولا يحلق بين العمرة والحج ) ; لأن ذلك جناية على إحرام الحج ، وإنما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد ويتحلل بالحلق عندنا لا بالذبح كما يتحلل المفرد ثم هذا مذهبنا .

وقال الشافعي رحمه الله : يطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا لقوله عليه الصلاة والسلام { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }ولأن مبنى القران على التداخل حتى اكتفي فيه بتلبية واحدة وسفر واحد وحلق واحد فكذلك في الأركان . [ ص: 206 - 209 ] ولنا أنه لما طاف صبي بن معبد طوافين وسعى سعيين قال له عمر رضي الله عنه : هديت لسنة نبيك ، ولأن القران ضم عبادة إلى عبادة وذلك إنما يتحقق بأداء عمل كل واحد على الكمال ولأنه لا تداخل في العبادات المقصودة والسفر للتوسل والتلبية للتحريم ، والحلق للتحلل فليس هذه الأشياء بمقاصد بخلاف الأركان ، ألا ترى أن شفعي التطوع لا يتداخلان وبتحريمة واحدة يؤديان ، ومعنى ما رواه { دخل وقت العمرة في وقت الحج }.


الحديث الثالث : قال عليه السلام : " { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }; [ ص: 205 ] قلت : أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي عليه السلام أنه قال : { هذه عمرة استمتعنا بها ، فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله ، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن ، ومعناه أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج انتهى .

وقال أبو داود : هذا حديث منكر ، إنما هو قول ابن عباس ، قال المنذري : وفيما قاله نظر ، فقد رواه أحمد بن حنبل ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، وعثمان بن أبي شيبة عن محمد بن جعفر عن شيبة مرفوعا ، ورواه أيضا يزيد بن هارون ، ومعاذ بن معاذ العنبري ، وأبو داود الطيالسي ، وعمر بن مرزوق عن شيبة مرفوعا ، وتقصير من قصر من الرواة لا يؤثر فيما أثبته الحافظ ، [ ص: 206 ] والله أعلم .

{ حديث آخر } : رواه النسائي حدثنا محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن { سراقة بن جعشم ، قال : يا رسول الله ، رأيت عمرتنا هذه ، لعامنا أم للأبد ؟ فقال : لا ، بل للأبد ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }انتهى .

وأخرجه ابن ماجه عن مسعر عن عبد الملك به ; قال في " الإمام " : قال شيخنا المنذري : هو حديث حسن ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي الزبير عن جابر عن سراقة ، فذكره ; قال الدارقطني : رواته كلهم ثقات ، انتهى .

والمصنف احتج بهذا الحديث للشافعي أن القارن يطوف طوافا واحدا ، ويسعى سعيا واحدا يعني أن العبادتين تتداخلان ; وفي حديث جابر الطويل { أنه عليه السلام لما طاف وسعى بين الصفا والمروة ; قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة ، فقال سراقة بن جعشم : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك عليه السلام أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين لا ، بل للأبد }.

أحاديث الباب : أخرج البخاري ، ومسلم عن الليث عن نافع { عن ابن عمر ، أنه أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير ، فقيل له : إن الناس كائن بينهم قتال ، وإنا نخاف أن يصدوك ، فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء ، قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ، أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، وأهدى هديا اشتراه بقديد ، فلم ينحر ، ولم يحل من شيء حرم منه ، ولم يحلق ، ولم يقصر حتى كان يوم النحر ، فنحر ، وحلق ، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وقال ابن عمر : كذلك فعل رسول الله }صلى الله عليه وسلم انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجاه في " الصحيحين " أيضا عن الزهري عن عروة عن { عائشة ، [ ص: 207 ] قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهللنا بعمرة ، ثم قال : من كان معه هدي فليحل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما ، فطاف الذين أهلوا بالعمرة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر ، بعد أن رجعوا من منى ، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه مسلم { عن عائشة أنها حاضت بسرف ، فتطهرت بعرفة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزئ عنك طوافك : بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك } ، انتهى . وفي سماع مجاهد من عائشة كلام ، تقدم في الحديث الخامس والثمانين من " الحج " .

{ حديث آخر } : أخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد ، وسعي واحد حتى يحل منهما جميعا }; ورواه أحمد ، ولفظه : { من قرن بين حجة وعمرة أجزأه بهما طواف واحد }انتهى . قال الترمذي : حديث حسن غريب ، انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه عن ليث بن أبي سليم حدثني عطاء ، وطاوس ، ومجاهد عن جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس { أن النبي عليه السلام لم يطف هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا لعمرتهم وحجتهم }انتهى .

قال في " التنقيح " : قال البرقاني : سألت الدارقطني عن ليث بن أبي سليم ، فقال : صاحب سنة يخرج حديثه ، وإنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء ، وطاوس ، ومجاهد فحسب انتهى .

وقال ابن سعد في " الطبقات " : كان رجلا صالحا ، إلا أنه ضعيف الحديث ، يقال : إنه [ ص: 208 ] كان يسأل عطاء ، وطاوسا عن شيء فيختلفون فيه ، فيرويه باتفاقهم من غير تعمد لذلك انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الدارقطني حدثنا البغوي حدثنا داود بن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لحجه وعمرته }قال في " التنقيح " : إسناده صحيح ، فإن عبد الملك صدوق ، روى له مسلم ; ومنصور ، وثقه ابن معين ، وغيره ، وهو شيعي ، وداود من شيوخ مسلم انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر { أن النبي عليه السلام قرن بين الحج والعمرة ، فطاف لهما طوافا واحدا }انتهى والحجاج ضعيف ، وأخرجه الدارقطني عن الربيع بن صبيح عن عطاء عن جابر ، قال : { ما طاف لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طوافا واحدا ، وسعيا واحدا لحجة وعمرة }انتهى . والربيع ضعيف .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن علي بن عاصم : ثنا أبي عن حصين بن عبد الرحمن ، قال : قال لي منصور : حدثتني أنت يا حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طافوا لحجتهم وعمرتهم طوافا واحدا }انتهى .

قال ابن الجوزي : وعلي بن عاصم ضعيف ، قال في " التنقيح " ; هكذا وجدته في نسختين صحيحتين ، والصواب عاصم بن علي ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد { أن النبي عليه السلام جمع بين الحج والعمرة ، فطاف لهما بالبيت طوافا واحدا ، وبالصفا والمروة طوافا واحدا }انتهى .

قال ابن الجوزي : وابن أبي ليلى هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو ضعيف ، قال في " التنقيح " : وعطية أضعف منه . [ ص: 209 ] الحديث الرابع : روي أن صبي بن معبد لما طاف طوافين ، وسعى سعيين قال له عمر : هديت لسنة نبيك ; قلت : هذا الحديث لم يقع هكذا ، فقد أخرجه أبو داود ، والنسائي عن منصور ، وابن ماجه عن الأعمش ، كلاهما عن أبي وائل عن الصبي بن معبد التغلبي ، قال : أهللت بهما معا ، فقال عمر : هديت لسنة نبيك انتهى .

وذكر بعضهم فيه قصة ; ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع العاشر ، من القسم الخامس ، وأحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو داود الطيالسي ، وابن أبي شيبة في " مسانيدهم " ، وقال الدارقطني في " كتاب العلل " : وحديث الصبي بن معبد هذا حديث صحيح ، وأصحه إسنادا حديث منصور عن الأعمش عن أبي وائل عن الصبي عن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية