نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
باب التمتع ( التمتع أفضل من الإفراد عندنا ) وعن أبي حنيفة رحمه الله أن الإفراد أفضل ; لأن المتمتع سفره واقع لعمرته والمفرد سفره واقع لحجته . وجه ظاهر الرواية أن في التمتع جمعا بين العبادتين فأشبه القران ، ثم فيه زيادة نسك وهي إراقة الدم وسفره واقع لحجته ; وإن تخللت العمرة ; لأنها تبع للحج كتخلل السنة بين الجمعة والسعي إليها ( والمتمتع على وجهين متمتع يسوق الهدي ومتمتع لا يسوق الهدي ) ومعنى التمتع الترفق بأداء النسكين في سفر واحد من [ ص: 215 ] غير أن يلم بأهله بينهما إلماما صحيحا ويدخله اختلافات نبينها إن شاء الله تعالى ( وصفته أن يبتدئ من الميقات في أشهر الحج فيحرم بالعمرة ويدخل مكة فيطوف لها ويسعى ويحلق أو يقصر وقد حل من عمرته ) وهذا هو تفسير العمرة ، وكذلك إذا أراد أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكرنا هكذا فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام في عمرة القضاء . وقال مالك رحمه الله : لا حلق عليه إنما العمرة الطواف والسعي ، وحجتنا عليه ما روينا وقوله تعالى: { محلقين رءوسكم }الآية نزلت في عمرة القضاء ، ولأنها لما كان لها تحرم بالتلبية كان [ ص: 216 ] لها تحلل بالحلق كالحج ( ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف ) وقال مالك رحمه الله كما وقع بصره على البيت ; لأن العمرة زيارة البيت وتتم به . ولنا { أن النبي عليه الصلاة والسلام في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم [ ص: 217 ] الحجر } ، ولأن المقصود هو الطواف فيقطعها عند افتتاحه ولهذا يقطعها الحاج عند افتتاح الرمي ، قال : ( ويقيم بمكة حلالا ) ; لأنه حل من العمرة .

قال : ( فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد ) والشرط أن يحرم من الحرم . أما المسجد فليس بلازم ، وهذا ; لأنه في معنى المكي ، وميقات المكي في الحج الحرم على ما بينا ( وفعل ما يفعله الحاج المفرد ) ; لأنه مؤد للحج إلا أنه يرمل في طواف الزيارة ، ويسعى بعده ; لأن هذا أول طواف له في الحج بخلاف المفرد ; لأنه قد سعى مرة ، ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة ولا يسعى بعده ; لأنه قد أتى بذلك مرة ( وعليه دم التمتع ) للنص الذي تلوناه .

( فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ) على الوجه الذي بيناه في القران ( فإن صام ثلاثة أيام من شوال ثم اعتمر لم يجزه عن الثلاثة ) ; لأن سبب وجوب هذا الصوم التمتع ; لأنه بدل عن الهدي ، وهو في هذه الحالة غير متمتع ، فلا يجوز أداؤه قبل وجود سببه ( وإن صامها ) بمكة ( بعدما أحرم بالعمرة قبل أن يطوف جاز عندنا ) خلافا للشافعي رحمه الله . له قوله تعالى: { فصيام ثلاثة أيام في الحج }ولنا أنه أداء بعد انعقاد سببه ، والمراد بالحج المذكور في النص وقته على ما بينا ( والأفضل تأخيرها إلى آخر وقتها ، وهو يوم عرفة ) لما بينا في القران .


[ ص: 214 ] باب التمتع

الحديث الأول : قال المصنف رحمه الله : وصفة التمتع أن يبتدئ من الميقات في أشهر الحج ، فيحرم بالعمرة ، ويدخل مكة فيطوف بها ، ويسعى ويحلق ، أو يقصر ، وقد حل من عمرته ، وهذا هو تفسير العمرة ، وكذلك إذا أراد أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكرنا ، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء ، وقال مالك : لا حلق عليه ، وإنما العمرة الطواف والسعي . وحجتنا عليه ما ذكرناه ; قلت : أخرج البخاري ، ومسلم عن ابن عمر ، قال : { تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس [ ص: 215 ] مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج ، وليهد ، فمن لم يجد هديا ، فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة ، فاستلم الركن أول شيء ، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ، ومشى أربعة أطواف ، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ، ثم سلم ، فانصرف ، فأتى الصفا ، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر ، وأفاض فطاف بالبيت ، ثم حل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري عن نافع ، قال : { أراد ابن عمر الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير ، فقيل له : إن الناس كائن بينهم قتال ، ونخاف أن يصدوك ، فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، إذن أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهدكم أني قد أوجبت عمرة حتى إذا كان بظاهر البيداء ، قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ، أشهدكم أني جمعت حجة مع عمرة ، وأهدى هديا مقلدا اشتراه ، حتى قدم فطاف بالبيت وبالصفا ، ولم يزد على ذلك ، ولم يحل من شيء حرم منه حتى يوم النحر ، فحلق ونحر ، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، ثم قال : هكذا صنع [ ص: 216 ] النبي عليه السلام }انتهى .

والاستشهاد بهذا الحديث أولى من الحديث الذي قبله ، فإن المصنف رحمه الله احتج به على مالك في وجوب الحج على المعتمر .

ومن أحاديث الباب : ما أخرجه البخاري عن ابن عباس ، قال : { لما قدم النبي عليه السلام مكة أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يحلوا ويحلقوا ، أو يقصروا }انتهى .

وأخرج البخاري ، ومسلم { عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : قصرت عن النبي على المروة ، أو رأيته يقصر عنه على المروة بمشقص } ، انتهى .

قال المنذري في " حواشيه " : قوله : قصرت ، يحتج به من يقول : إنه عليه السلام كان في حجة الوداع متمتعا ; لأن المعتمر يقصر عند الفراغ من السعي ، وهذا لا يصح أن يكون في حجة الوداع ; لأنه عليه السلام حلق رأسه في حجة الوداع بلا خلاف ، كما ورد في " الصحيحين " ; وقيل : إنما كان هذا في بعض عمره عليه السلام ، قيل : ولا يصح هذا ، إلا أن يكون في عمرة الجعرانة ; لأن الصحيح أن معاوية أسلم يوم فتح مكة مع أبيه ، فأما الرواية الأخرى : رأيته يقصر عنه ، فلا يصح أن يكون في حجة الوداع ، ويصح أن يكون فيما تقدم من عمره عليه السلام ، وأما لفظ الحديث عند أبي داود { أن معاوية قال لابن عباس : أما علمت أني قصرت عن رسول الله بمشقص أعرابي على المروة لحجته }; فمعنى قوله : لحجته ، أي لعمرته ، ففي لفظ النسائي { في عمرة على المروة } ، والعمرة قد تسمى حجا ; لأن معناها القصد ، وقد قال النبي عليه السلام : { ما بال الناس حلوا وأنت لم تحلل من عمرتك ؟ }قيل : تريد من حجتك ، والله أعلم انتهى كلامه .

الحديث الثاني : روي { أنه عليه السلام قطع التلبية في عمرة القضاء حين استلم الحجر الأسود }; قلت : أخرجه الترمذي عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام [ ص: 217 ] كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر }انتهى .

وقال : حديث صحيح ; ورواه أبو داود ، ولفظه : أن النبي عليه السلام قال : { يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر }انتهى .

قال أبو داود : رواه عبد الملك بن أبي سليمان ، وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفا انتهى .

وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وفيه مقال ، [ ص: 218 ] ولم ينصف المنذري في عزوه هذا الحديث للترمذي ، فإن لفظ الترمذي من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ أبي داود من قوله ، فهما حديثان ، ولكنه قلد أصحاب " الأطراف " إذ جعلوها حديثا واحدا ، وهذا مما لا ينكر عليهم ; وقد بينا وجه ذلك في حديث : { ابدءوا بما بدأ الله به }; وروى الواقدي في " كتاب المغازي " حدثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي عليه السلام لبى يعني في عمرة القضية حتى استلم الركن }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية