نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 218 ] ( وإن ) ( أراد المتمتع أن يسوق الهدي ) ( أحرم وساق هديه ) وهذا أفضل { ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام ساق الهدايا مع نفسه }; ولأن فيه استعدادا ومسارعة ( فإن كانت بدنة قلدها بمزادة أو نعل ) لحديث عائشة رضي الله عنهاعلى ما رويناه ، والتقليد أولى من التجليل ; لأن له ذكرا في الكتاب ولأنه للإعلام والتجليل للزينة ، ويلبي ثم يقلد ; لأنه يصير محرما بتقليد الهدي والتوجه معه [ ص: 219 ] على ما سبق ، والأولى أن يعقد الإحرام بالتلبية ويسوق الهدي وهو أفضل من أن يقودها ; لأنه عليه الصلاة والسلام أحرم بذي الحليفة ، وهداياه تساق بين يديه ، ولأنه أبلغ في التشهير إلا إذا كانت لا تنقاد فحينئذ يقودها .

قال : ( وأشعر البدنة عنه عند أبي يوسف ومحمد ) رحمهما الله( ولا يشعر عند أبي حنيفة ) رحمه الله ( ويكره ) والإشعار هو الإدماء بالجرح لغة ( وصفته أن يشق سنامها ) بأن يطعن في أسفل السنام ( من الجانب الأيمن أو الأيسر ) قالوا : والأشبه هو الأيسر ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام طعن في جانب اليسار مقصودا وفي جانب الأيمن اتفاقا ويلطخ سنامها بالدم إعلاما ، وهذا الصنع مكروه عند أبي حنيفة رحمه الله ، وعندهما حسن ، وعند الشافعي رحمه الله سنة . [ ص: 220 - 221 ] لأنه مروي عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ولهما أن المقصود من التقليد أن لا يهاج إذا ورد ماء أو كلأ أو يرد إذا [ ص: 222 ] ضل وأنه في الإشعار أتم ; لأنه ألزم ، فمن هذا الوجه يكون سنة إلا أنه عارضته جهة كونه مثلة فقلنا بحسنه . ولأبي حنيفة رحمه الله أنه مثلة وأنه منهي عنه ، ولو وقع التعارض فالترجيح للمحرم .

[ ص: 223 - 225 ] وإشعار النبي عليه الصلاة والسلام كان لصيانة الهدي ; لأن المشركين لا يمتنعون عن تعرضه إلا به ، وقيل إن أبا حنيفة كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية ، وقيل إنما كره إيثاره على التقليد .

قال : ( فإذا دخل مكة طاف وسعى ) وهذا للعمرة على ما بينا في متمتع لا يسوق الهدي ( إلا أنه لا يتحلل حتى يحرم بالحج يوم التروية ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وتحللت منها }وهذا ينفي التحلل عند سوق الهدي ( ويحرم بالحج يوم التروية ) كما يحرم أهل مكة على ما بينا ( وإن قدم الإحرام قبله جاز ، وما عجل المتمتع من الإحرام بالحج فهو أفضل ) لما فيه من المسارعة وزيادة المشقة ، وهذه الأفضلية في حق من ساق الهدي وفي حق من لم يسق ( وعليه دم ) وهو دم التمتع على ما بينا ( وإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين ) ; لأن الحلق محلل في الحج كالسلام في الصلاة فيتحلل به عنهما .

قال : ( وليس لأهل مكة تمتع ولا قران وإنما لهم الإفراد خاصة ) خلافا للشافعي رحمه الله . والحجة عليه قوله تعالى: { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }ولأن شرعهما للترفه بإسقاط إحدى السفرتين ، وهذا في حق الأفاقي ( ومن كان داخل المواقيت فهو بمنزلة المكي حتى لا يكون له متعة ولا قران ) بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وقرن حيث [ ص: 226 ] يصح ; لأن عمرته وحجته ميقاتان فصار بمنزلة الأفاقي


الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام ساق الهدايا مع نفسه }; قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم عن ابن عمر ، قال : { تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس معه } ، وقد تقدم الحديث بتمامه في أول الباب .

الحديث الرابع : روي عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ; قلت : تقدم قبل " باب القران " ، رواه الأئمة الستة ، والمصنف هنا أحال ، فقال : فإن كان بدنة قلدها بمزادة أو نعل ، لحديث عائشة على ما روينا ; وحديث عائشة هذا ذكره المصنف قبل " باب القران " أنها قالت : { كنت أفتل قلائد لبدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بها ، وأقام في أهله حلالا }. ولو استدل هنا بحديث ابن عباس لكان أولى ، أخرجوه إلا البخاري عن أبي حسان الأعرج ، واسمه مسلم عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ، ثم دعا بناقته ، وفي لفظ : ببدنة ، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم عنها ، وقلدها نعلين ، ثم أتى براحلته ، فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج . } [ ص: 219 ]

الحديث الخامس : روي { أنه عليه السلام أحرم بذي الحليفة ، وهداياه تساق بين يديه }; قلت : تقدم للبخاري ، ومسلم عن ابن عمر ، قال : { تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة } ، إلى آخره ; وقد تقدم بتمامه في أول هذا الباب .

الحديث السادس : روي في الإشعار أن النبي عليه السلام طعن في الجانب الأيسر مقصودا ، وفي الجانب الأيمن اتفاقا ; قلت : رواية الطعن في الجانب الأيمن أخرجه مسلم عن أبي حسان عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام صلى الظهر بذي الحليفة ، ثم دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن }; وقد تقدم ذكر البخاري الإشعار من حديث المسور ، ومروان غير مقيد بالأيمن ، ولا بالأيسر ، ولفظه : قالا : { خرج النبي عليه السلام زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي عليه السلام الهدي ، وأشعر وأحرم بالعمرة }انتهى .

وذكره من حديث عائشة أيضا ، وسيأتي قريبا ; وأما رواية الطعن في الأيسر ، فرواها أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا يزيد بن هارون أنبأ شعبة بن الحجاج عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنته في شقها الأيسر ، ثم سلت الدم بإصبعه ، فلما علت به راحلته البيداء لبى }انتهى .

وقال ابن عبد البر في " كتاب التمهيد " : رأيت في " كتاب ابن علية " عن أبيه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس [ ص: 220 ] { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعر بدنة من الجانب الأيسر ، ثم سلت الدم عنها ، وقلدها نعلين } ، قال : وهذا عندي منكر في حديث ابن عباس ، والمعروف ما رواه مسلم ، وغيره : في الجانب الأيمن ، لا يصح فيه غير ذلك ، إلا أن ابن عمر كان يشعر بدنه من الجانب الأيسر انتهى .

وهكذا أورده أبو محمد عبد الحق في " أحكامه " معزوا إلى ابن عبد البر ، قال ابن القطان في " كتابه " : وهو كلام صحيح ، وأنا أخاف أن يكون تصحف فيه : الأيمن ، بالأيسر ، وأيضا ، فإنا لا نعلم ابن علية إلا الإخوة الثلاثة : إسماعيل ، وربعي ، وإسحاق ; والمشهور الفقيه منهم : إسماعيل بن إبراهيم بن سهم ، وعلية أمه ، وليست هذه طبقته ، أن يروي بهذا النزول ، فإن قدرناه هو فأبوه إبراهيم بن مقسم لا أعرفه في رواية الأخبار ، وحاله مجهول انتهى كلامه .

قلت : قد روي من غير طريق ابن علية كما قدمناه من جهة أبي يعلى الموصلي ; وحديث ابن عمر الذي أشار إليه ابن عبد البر أخرجه مالك في " موطئه " عن نافع عن ابن عمر { أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة يقلده بنعلين ، ويشعره من الشق الأيسر ، ثم يساق معه } ، مختصر . [ ص: 221 ]

الحديث السابع : روي الإشعار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين ; قلت : أما الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج البخاري عن المسور ، ومروان قالا : { خرج النبي عليه السلام من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كان بذي الحليفة قلد عليه السلام الهدي ، وأشعره ، وأحرم بالعمرة }انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الجماعة إلا البخاري عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام أشعر بدنة من الجانب الأيمن ، وسلت الدم عنها }; وزاد فيه الترمذي قال : وسمعت أبا السائب يقول : كنا عند وكيع ، فقال لرجل ممن ينظر في الرأي : أشعر [ ص: 222 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول أبو حنيفة : هو مثلة ، قال الرجل : فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الإشعار مثلة ، فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا ، ثم قال : أقول لك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : قال إبراهيم ؟ ما أحقك بأن تحبس ، ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا ، انتهى .

وأخرج البخاري ، ومسلم عن القاسم عن عائشة ، قالت : { فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم أشعرها ، وقلدها ، ثم بعث بها إلى البيت ، وأقام بالمدينة ، فما حرم عليه شيء كان له حلا }انتهى .

الحديث الثامن : حديث النهي عن المثلة ; قلت : ليس في كلام المصنف أن الإشعار منسوخ بحديث النهي عن المثلة ، ولكنه قال : إن حديث الإشعار معارض بحديث النهي عن المثلة ، وإذا وقع التعارض ، فالترجيح للمحرم ، انتهى .

وكان جماعة من العلماء تفهموا عن أبي حنيفة النسخ من ذلك ، وكذلك رواه السهيلي في " الروض الأنف " ، فقال : النهي عن المثلة كان بإثر غزوة أحد ، وحديث الإشعار في حجة الوداع ، فكيف يكون الناسخ متقدما على المنسوخ انتهى كلامه . وفي النهي عن المثلة أحاديث : منها حديث أنس أخرجه البخاري ، ومسلم عن سعيد عن قتادة عن أنس ، فذكر حديث العرنيين ; وفي آخره : قال قتادة : وبلغنا { أن النبي عليه السلام كان بعد ذلك يحث على الصدقة ، وينهى عن المثلة } ، وانفرد به مسلم عن أنس ، قال : إنما سمل النبي عليه السلام أعين أولئك ; لأنهم سملوا أعين الرعاة .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري عن ابن عمر ، قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان }انتهى . [ ص: 223 ]

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري عن عبد الله بن يزيد الأنصاري ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهبة والمثلة }انتهى . هكذا عزاه عبد الحق للبخاري ، وينظر .

حديث آخر : أخرجه أبو داود في " سننه في كتاب الجهاد " حدثنا ابن المثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن هياج بن عمران البصري عن سمرة بن جندب ، قال : { كان النبي عليه السلام يحث على الصدقة ، وينهى عن المثلة } ، وفيه قصة .

{ حديث آخر } : أخرجه أحمد في " مسنده " ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط الشيخين عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عمر { أن النبي عليه السلام لعن من يمثل بالحيوان } ، وفي لفظ : { نهى أن يمثل بالحيوان }انتهى .

{ حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن مولى لجهينة عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد عن أبيه مرفوعا ، بلفظ عبد الله بن يزيد .

{ حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة عن الحسن عن هياج بن عمران { عن عمران بن حصين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة ، وينهى عن المثلة } ، مختصر .

{ حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سلمة بن نوفل عن صفية بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة }انتهى .

{ حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا محمد بن صباح ثنا إسماعيل بن زكريا عن يزيد بن أبي زياد عن قيس بن الأحنف حدثنا القاسم بن محمد الثقفي ، قال : { جاءت أسماء بنت أبي بكر مع جوار لها ، وقد ذهب بصرها ، فقالت : أههنا الحجاج ؟ قيل لها : لا ، قالت : إذا جاء فقولوا له : يأمر لنا بهذه العظام يعني ابن الزبير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة ، وأخبروه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج من ثقيف كذاب ومبير ، فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فهو الحجاج } ، انتهى . [ ص: 224 ]

{ حديث آخر } : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن علي الأبار ثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني ثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي ثنا إسماعيل بن راشد قال : كان من حديث عبد الرحمن بن ملجم في قتلة علي بن أبي طالب ، فذكر القصة بطولها ، وفي آخرها ، قال : { ولما دخل ابن ملجم على علي بعد أن ضربه بالسيف على قرنه وأوقف بين يديه مكتوفا قال له : يا عدو الله ، ما الذي حملك على ما صنعت ؟ ألم أحسن إليك . ألم أفعل معك كذا وكذا وكذا ؟ ثم قال للحسن : إن بقيت رأيت فيه رأيي ، وإن هلكت من ضربتي هذه ، فاضربه ضربة ، ولا تمثل به ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة ، ولو بالكلب العقور }انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الطبراني أيضا من حديث بقية عن عيسى بن إبراهيم عن موسى بن حبيب عن الحكم بن عمير ، وعائذ بن قرط ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تمثلوا بشيء من خلق الله عز وجل فيه روح }انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الطبراني أيضا عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهبة والمثلة }انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني خالد بن الهيثم مولى لبني هاشم عن يحيى بن أبي كثير ، قال : { لما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر ، قال عمر : يا رسول الله ، انزع ثنيته يدلع لسانه ، فلا يقوم عليك خطيبا أبدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أمثل به ، فيمثل الله بي ، ولو كنت نبيا ، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه ، فقام سهيل حين جاءه وفاة النبي عليه السلام بخطبة أبي بكر بمكة ، كأنه كان يسمعها ، فقال عمر : أشهد أن محمدا رسول الله } ، يريد حيث قال عليه السلام : لعله يقوم مقاما لا تكرهه ، مختصر . وهو مرسل ; ومن هذا الباب وسم إبل الصدقة ، فالمنقول فيه عن أبي حنيفة أيضا كراهته ; لأن فيه تعذيب الحيوان . وهو سنة عند الشافعي ، عملا بحديث الصحيحين عن { أنس بن مالك ، قال : غدوت بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه ، فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة }انتهى . [ ص: 225 ] قوله : وإشعار النبي عليه السلام لصيانة الهدي ; لأن المشركين كانوا لا يمتنعون عن تعرضه إلا به .

الحديث التاسع : قال عليه السلام : { لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة وتحللت منها }; قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم عن { أنس ، قال : خرجنا نصرخ بالحج ، فلما قدمنا مكة أمرنا النبي عليه السلام أن نجعلها عمرة ، وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت جعلتها عمرة ، ولكن سقت الهدي ، وقرنت بين الحج والعمرة } ، وفي لفظ لهما : { ولولا أن معي الهدي لأحللت } ، وفي حديث جابر الطويل : { حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة ، [ ص: 226 ] فقام سراقة بن جعشم ، فقال : يا رسول الله . ألعامنا ، أم للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا ، بل للأبد }.

وأخرج البخاري ، ومسلم عن { جابر ، قال : أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج . فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة ، فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا ، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فما ندري أشيء بلغه من السماء ، أم من قبل الناس ؟ فقال : أيها الناس أحلوا ، فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم قال : فأحللنا حتى وطئنا النساء . وفعلنا ما يفعل الحلال ، حتى إذا كان يوم التروية أهللنا بالحج }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية