صفحة جزء
العاشر‏ : على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه ، وكتاب شيخه الذي يرويه عنه ، وإن كان إجازة‏ . ‏

روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام : " كتبت ؟ " قال‏ : " نعم " ، قال‏ : " عرضت كتابك ؟ " قال‏ : " لا " ، قال‏ : " لم تكتب‏ " . ‏

[ ص: 191 ] وروينا عن الشافعي الإمام ، وعن يحيى بن أبي كثير قالا‏ : " من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج " . ‏

وعن الأخفش قال‏ : " إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ، ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميا‏ " . ‏

ثم إن أفضل المعارضة‏ : أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ ، في حال تحديثه إياه من كتابه ، لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط ، والإتقان من الجانبين‏ ، وما لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها‏ . ‏ وما ذكرناه أولى من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي قوله : " أصدق المعارضة مع نفسك‏ " . ‏

ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ، ممن ليس معه نسخة ، لا سيما إذا أراد النقل منها ، وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب ، والمحدث يقرأ ، هل يجوز أن يحدث بذلك عنه ؟ فقال‏ : " أما عندي فلا يجوز ، ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم‏ " . ‏

[ ص: 192 ] قلت‏ : وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية ، وسيأتي ذكر مذهبهم إن شاء الله تعالى . ‏ والصحيح‏ أن ذلك لا يشترط ، وأنه يصح السماع ، وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة ، وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه ، بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي ، وإن لم يكن ذلك حالة القراءة ، وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه‏ . ‏

قلت‏ : وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل السماع ، وكذلك إذا قابل بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ ; لأن الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه ، وكتاب شيخه ، فسواء حصل ذلك بواسطة أو بغير واسطة‏ . ‏

ولا يجزئ ذلك عند من قال‏ : " لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ، ولا يقلد غيره ، ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة ، وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له‏ " . ‏ وهذا مذهب متروك ، وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

أما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا‏ : فقد سئل الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني عن جواز روايته منه ، فأجاز ذلك‏ . ‏ وأجازه [ ص: 193 ] الحافظ أبو بكر الخطيب أيضا ، وبين شرطه‏ ، فذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل ، وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض‏ ، وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي‏ : " هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ، ولم يعارض بأصله ؟ " فقال‏ : " نعم ، ولكن لا بد أن يبين أنه لم يعارض " ، قال‏ : وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني ، فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها : " ‏أخبرنا فلان ، ولم أعارض بالأصل‏ " ‏‏ . ‏

قلت‏ : ولا بد من شرط ثالث ، وهو‏ : أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل ، بل صحيح النقل قليل السقط ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

ثم إنه ينبغي أن يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلي من فوقه مثل ما ذكرنا ، أنه يراعيه من كتابه ، ولا يكونن كطائفة من الطلبة‏ إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرءوه عليه من أي نسخة اتفقت ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية