صفحة جزء
ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حالة الرواية عنه بما هو أهل له ، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف ، والعلماء ، كما روي عن ‏عطاء بن أبي رباح‏ أنه كان إذا حدث عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال‏ : " حدثني البحر‏ " ، وعن وكيع‏ أنه قال : " حدثنا سفيان ‏أمير المؤمنين في الحديث‏ " ‏‏ . ‏

وأهم من ذلك الدعاء له عند ذكره ، فلا يغفلن عنه‏ . ‏

ولا بأس بذكر من يروي عنه بما يعرف به من لقب ، ‏كغندر‏ لقب محمد بن جعفر صاحب شعبة ، و‏‏لوين‏ لقب محمد بن سليمان المصيصي‏ ، أو نسبة إلى أم عرف بها ، كيعلى ابن منية الصحابي وهو ابن أمية ، ومنية أمه ، وقيل‏ : جدته أم أبيه‏ ، أو وصف بصفة نقص في جسده عرف بها ، كسليمان الأعمش ، وعاصم الأحول‏ ، إلا ما يكرهه من ذلك ، كما في إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية ، وهي أمه ، [ ص: 244 ] وقيل‏ : أم أمه‏ ، روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول : " ‏حدثنا إسماعيل ابن علية‏ " ، فنهاه أحمد بن حنبل ، وقال‏ : " قل : إسماعيل بن إبراهيم‏ ، فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه " ، فقال‏ : " قد قبلنا منك يا معلم الخير‏ " . ‏

وقد استحب للمملي أن يجمع في إملائه بين الرواية عن جماعة من شيوخه ، مقدما للأعلى إسنادا ، أو الأولى من وجه آخر‏ ، ويملي عن كل شيخ منهم حديثا واحدا ويختار ما علا سنده وقصر متنه ، فإنه أحسن ، وأليق‏ ، وينتقي ما يمليه ويتحرى المستفاد منه ، وينبه على ما فيه من فائدة ، وعلو ، وفضيلة‏ ، ويتجنب ما لا تحتمله عقول الحاضرين ، وما يخشى فيه من دخول الوهم عليهم في فهمه‏ . ‏

وكان من عادة غير واحد من المذكورين ختم الإملاء بشيء من الحكايات ، والنوادر ، والإنشادات بأسانيدها ، وذلك حسن ، ( والله أعلم‏‏‏‏ ) . ‏

وإذا قصر المحدث عن تخريج ما يمليه ، فاستعان ببعض حفاظ وقته ، فخرج له فلا بأس بذلك‏ . ‏

قال ‏الخطيب‏‏‏ : " كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك‏ " . ‏

وإذا نجز الإملاء فلا غنى عن مقابلته ، وإتقانه وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم ، وطغيانه‏ . ‏

[ ص: 245 ] هذه عيون من آداب المحدث ، اجتزأنا بها معرضين عن التطويل بما ليس من مهماتها ، أو هو ظاهر ليس من مستبهماتها ، والله الموفق ، والمعين ، وهو أعلم‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية