صفحة جزء
[ ص: 265 ] النوع الموفي ثلاثين

معرفة المشهور من الحديث

ومعنى الشهرة مفهوم ، وهو منقسم إلى‏ : صحيح ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ‏إنما الأعمال بالنيات‏ " . ‏ وأمثاله‏ . ‏

وإلى غير صحيح‏ : كحديث‏ : " ‏طلب العلم فريضة على كل مسلم‏ " ‏‏ . ‏

وكما بلغنا عن ‏أحمد بن حنبل‏ رضي الله عنه أنه قال‏ : " أربعة أحاديث تدور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسواق ليس لها أصل‏ : " من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة " ، و " من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة " ، [ ص: 266 ] و " يوم نحركم يوم صومكم " ، و " للسائل حق وإن جاء على فرس‏ " . ‏

وينقسم من وجه آخر إلى‏ : ما هو مشهور بين أهل الحديث وغيرهم ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‏ " ‏‏ . ‏ وأشباهه‏ . ‏

وإلى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة دون غيرهم ، كالذي رويناه عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن أنس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 267 ] قنت شهرا بعد الركوع ، يدعو على رعل ، وذكوان‏ " . ‏

فهذا مشهور بين أهل الحديث ، مخرج في الصحيح ، وله رواة عن أنس غير أبي مجلز ، ورواه عن أبي مجلز غير التيمي ، ورواه عن التيمي غير الأنصاري ، ولا يعلم ذلك إلا أهل الصنعة . ‏ وأما غيرهم فقد يستغربونه من حيث‏ : إن ‏التيمي‏ يروي عن ‏أنس ‏‏ ، وهو هاهنا يروي عن واحد ، عن أنس . ‏

ومن المشهور : المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله‏ ، وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص ، وإن كان ‏الحافظ الخطيب‏ قد ذكره ، ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ، ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ، ولا يكاد يوجد في رواياتهم ، فإنه‏ عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة ، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه . ‏

[ ص: 268 ] ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يروى من الحديث أعياه تطلبه‏ . ‏

وحديث‏ : " ‏إنما الأعمال بالنيات‏ " ليس من ذلك بسبيل ، وإن نقله عدد التواتر ، وزيادة ; لأن ذلك طرأ عليه في وسط إسناده ، ولم [ ص: 269 ] يوجد في أوائله على ما سبق ذكره‏ . ‏

نعم حديث‏ " ‏من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " نراه مثالا لذلك ، فإنه نقله من الصحابة - رضي الله عنهم - العدد الجم ، وهو في ‏الصحيحين‏ مروي عن جماعة منهم‏ . ‏

وذكر ‏أبو بكر البزار الحافظ الجليل‏ في ‏مسنده‏ أنه رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو من أربعين رجلا من الصحابة . ‏

وذكر بعض الحفاظ‏ " أنه رواه عنه - صلى الله عليه وسلم - اثنان وستون نفسا من الصحابة ، وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة‏ " . ‏

قال : وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره ، ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا هذا الحديث الواحد‏ . ‏

قلت‏ : وبلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد ، وفي بعض ذلك عدد التواتر‏ ، ثم لم يزل عدد رواته في ازدياد ، وهلم جرا على التوالي والاستمرار ، والله أعلم‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية