صفحة جزء
النوع الثامن عشر : معرفة الحديث المعلل

ويسميه أهل الحديث ( المعلول ) ، وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس : " العلة والمعلول " مرذول عند أهل العربية واللغة .

[ ص: 90 ] اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها ، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب ، وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه .

فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته ، مع أن ظاهره السلامة منها .

ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات ، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر .

ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له ، مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول ، أو وقف في المرفوع ، أو دخول حديث في حديث ، أو وهم واهم بغير ذلك ، بحيث يغلب على ظنه ذلك ، فيحكم به ، أو يتردد فيتوقف فيه . وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه .

وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل : أن يجيء الحديث بإسناد موصول ، ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ، ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه .

قال الخطيب أبو بكر : " السبيل إلى معرفة علة الحديث أن [ ص: 91 ] يجمع بين طرقه ، وينظر في اختلاف رواته ، ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط " .

وروى عن علي بن المديني قال : " الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه " .

ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث ، وهو الأكثر ، وقد تقع في متنه .

ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا ، كما في التعليل بالإرسال والوقف ، وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن .

فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن : ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البيعان بالخيار . . " الحديث . فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل ، وهو معلل غير صحيح ، والمتن على كل حال صحيح ، والعلة في قوله : " عن عمرو بن دينار " ، إنما هو عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه . فوهم يعلى بن عبيد ، وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار ، وكلاهما ثقة .

[ ص: 92 ] ومثال العلة في المتن : ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه : " فكانوا يستفتحون القراءة بـ " الحمد لله رب العالمين " ، من غير تعرض لذكر البسملة ، وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح ، ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ، ففهم من قوله : كانوا يستفتحون بالحمد أنهم كانوا لا يبسملون ، فرواه على ما فهم وأخطأ ، لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة ، وليس فيه تعرض لذكر التسمية .

وانضم إلى ذلك أمور ، منها : أنه ثبت عن أنس : أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية ، فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

ثم اعلم : أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي [ ص: 93 ] الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف ، المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل ، ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب ، والغفلة ، وسوء الحفظ ، ونحو ذلك من أنواع الجرح .

وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث .

ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف ، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال : من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول ، كما قال بعضهم : من الصحيح ما هو صحيح شاذ ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية