صفحة جزء
الرابعة : لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما ، ولا التزما ذلك .

فقد روينا عن البخاري أنه قال : " ما أدخلت في كتابي ( الجامع ) إلا ما صح ، وتركت من الصحاح لحال الطول " .

[ ص: 20 ] وروينا عن مسلم أنه قال : " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا - يعني في كتابه الصحيح - إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه " .

قلت : أراد - والله أعلم - أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه ، وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم .

ثم إن أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ قال : " قل ما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت من الحديث " . يعني في كتابيهما . ولقائل أن يقول : ليس ذلك بالقليل ، فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير ، يشتمل مما فاتهما على شيء كثير ، وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير .

وقد قال البخاري : " أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، ومائتي ألف حديث غير صحيح " ، وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المتكررة . وقد قيل : إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث ، إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين ، وربما عد الحديث الواحد [ ص: 21 ] المروي بإسنادين حديثين .

ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشهورة لأئمة الحديث ، كأبي داود السجستاني ، وأبي عيسى الترمذي ، وأبي عبد الرحمن النسائي ، وأبي بكر بن خزيمة ، وأبي الحسن الدارقطني ، وغيرهم . منصوصا على صحته فيها .

ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجودا في كتاب أبي داود ، وكتاب الترمذي ، وكتاب النسائي ، وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره .

ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ، ككتاب ابن خزيمة ، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ، ككتاب أبي عوانة الإسفرائيني ، وكتاب أبي بكر الإسماعيلي ، وكتاب أبي بكر البرقاني ، وغيرها ، من تتمة لمحذوف ، أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين . وكثير من هذا موجود في ( الجمع بين الصحيحين ) لأبي عبد الله الحميدي .

واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث [ ص: 22 ] الصحيح على ما في الصحيحين ، وجمع ذلك في كتاب سماه ( المستدرك ) أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما رآه على شرط الشيخين ، قد أخرجا عن رواته في كتابيهما ، أو على شرط البخاري وحده ، أو على شرط مسلم وحده ، وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما .

وهو واسع الخطو في شرط الصحيح ، متساهل في القضاء به . فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول : ما حكم بصحته ، ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة ، إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن ، يحتج به ويعمل به ، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه .

ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي رحمهم الله أجمعين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية